في منهج الإصلاح

في منهج الإصلاح

المغرب اليوم -

في منهج الإصلاح

بقلم : عبد العالي حامي الدين

كل من نزل إلى الشارع ذات صباح بارد قبل ست سنوات، يحتفظ بذكريات نوستالجية عن يوم 20 فبراير 2011،

ذكريات مفعمة بالمشاعر والانتظارات والحق في الحلم بديمقراطية حقيقية.

لكن الكثيرين ينتابهم نوع من الإحباط من جراء تفويت ما يسمونه “فرصة تاريخية” لتحقيق إصلاحات أكثر عمقا وتجذرا، ويبنون تحليلا سريعا ينتهي بمحاكمة دراماتيكية لخيار “الإصلاح في ظل الاستقرار” و”تخوين” أصحابه، الذين وافقوا على دستور 2011 وقبلوا بالمشاركة في انتخابات 25 نونبر، ويضيف بعضهم بنبرة لا تخلو من شماتة، أن ما تعيشه البلاد هذه الأيام من تعثر لبناء أغلبية حكومية تعود أسبابه الحقيقية إلى تفويت “فرصة 20 فبراير”، ويقفزون عن الحقيقة الساطعة من كون ما نعيشه حاليا هو تمرين ديمقراطي حقيقي دفاعا عن الإرادة الشعبية، وعن مصداقية المؤسسات التمثيلية.

ربما كان من الممكن بالنسبة إلى الأحزاب السياسية التي تشتغل داخل الحقل المؤسساتي أن تتعاطى مع لحظة 20 فبراير بطريقة مختلفة، لكن من المؤكد أن هناك مبالغةً كبيرةً في تقدير الخصائص الحقيقية لهذه الدينامية، فالأمر لا يتعلق بحركة منظمة ومنسجمة وموحدة المطالب والشعارات، ولكن يتعلق بدينامية احتجاجية نزلت إلى الشارع يوم 20 فبراير، في سياق الربيع العربي وهي تعرف ما لا تريد، لكنها لم تكن متفقة على ما تريد..

 أغلب الشعارات التي رُفعت كانت تتمحور حول إصلاح النظام السياسي وإصلاح النظام الاقتصادي، وهو ما ترجمه شعار: “إسقاط الفساد والاستبداد”، والمناداة ببعض القيم المثلى التي ليست ذات طبيعة برنامجية كالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن من المؤكد أن لحظة البحث عن الشعارات المشتركة لتأطير مطالب هذه الدينامية كشفت عن خلافات حقيقية حول الموقف من النظام الملكي، لازالت مستمرة حتى الآن، وهو ما جرى الاعتراف به من طرف من رفضوا وضع سقف لمطالب الشارع..

لكن مع ذلك، فقد حققت هذه الدينامية الاحتجاجية الشيء الكثير بالنسبة إلى المغرب، فقد أوقفت المسار التحكمي الذي كان يتهدد المغرب بعد صناعة حزب الأصالة والمعاصرة في مختبر السلطوية وتهييئه لبسط هيمنته على الساحة السياسية، وحركت موضوع الإصلاحات الدستورية وسرعت بإطلاقه، وكسبت انحياز الملك محمد السادس إلى هذا المطلب بواسطة خطاب تاريخي ليلة 9 مارس، كما لعبت دورا حاسما في ضمان تنظيم الانتخابات التشريعية الأكثر نزاهة في تاريخ المغرب وهي انتخابات 25 نونبر2011. 

ما ينبغي التأكيد عليه، هو أن خيار الإصلاح الديمقراطي لا يمكن أن يكون إلا خيارا تراكميا وتدرجيا، وستكون هناك دائما صعوبات وعراقيل تعترض مسار البناء الديمقراطي في المغرب وتشوش عليه، لكني أعتقد أن دينامية تيار الإصلاح تعززت أكثر، بعدما أكدت انتخابات 7 أكتوبر تشبث الناخبين والناخبات بشعار: “الإصلاح في ظل الاستقرار”.

هذا الخيار لا يمكن أن يتقدم إلا بتوافق ثلاثة مكونات أساسية، أولا، المؤسسة الملكية التي عبرت في أكثر من محطة عن أن الاختيار الديمقراطي لا رجعة فيه؛ ثانيا، الأحزاب السياسية الجادة والمسؤولة التي ظلت وفية لشعار الإصلاح الديمقراطي، إلى جانب المجتمع المدني وأدواره الفاعلة والحيوية؛ ثالثا، ذكاء الشعب المغربي الذي أصبح يعبر عن وعي سياسي متنام، وعن اهتمام متزايد بالشأن السياسي وأصبح يدرك قيمة صوته الانتخابي كمعبر واضح عن رغبته في التغيير.

لكن هناك بطبيعة الحال، خصوم الديمقراطية الذين يحاربونها من خلال مراكز نفوذ قوية وجماعات مصالح مؤثرة، نجحت للأسف، في توجيه الكثير من المنابر الإعلامية، وفي التأثير على استقلالية القرار داخل بعض الأحزاب السياسية، وفي خلط الأوراق ومحاولة إشاعة نفسية الإحباط والهزيمة لدى الحاملين لفكرة الإصلاح.  

ما ينبغي التأكيد عليه هو أن التدافع السياسي الجاري بين النخب السياسية أصبح للمجتمع دور حاسم فيه، وسيؤدي في النهاية إلى تقدم متزايد لتيار الإصلاح..

تقدم بالنقاط، وليس بالضربة القاضية كما يتوهم البعض..

المصدر : اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في منهج الإصلاح في منهج الإصلاح



GMT 00:07 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

المغرب والجزائر.. واتحاد المغرب العربي

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 05:51 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

قضية الصحراء والمنعطفات الخطيرة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 08:15 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

قضية بوعشرين.. البراءة هي الأصل

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:53 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

إنتر ميلان يسقط أمام روما في الدوري الإيطالي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 19:52 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

يعيش يشبه طريقة أسلوب لعبه بأسلوب زين الدين زيدان

GMT 19:41 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

مراكش تستقبل معرض "الكتاب الإفريقي"

GMT 21:04 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib