«شرق 12» تعددت الحكايات والحقيقة واحدة

«شرق 12»... تعددت الحكايات والحقيقة واحدة!

المغرب اليوم -

«شرق 12» تعددت الحكايات والحقيقة واحدة

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

سوف يصبح هذا الفيلم هدفا للعديد من المهرجانات القادمة عالميا وعربيا، وبعدها غالبا وطبقا لم هو متعارف عليه فى مصر، سيجد مساحة فى العرض الجماهيرى المحدود داخل سينما (زاوية) التى تمنح مقاعدها إلى الفيلم الجيد بعيدا عن الرهان الدائم هل سوف يحقق إيرادات أم لا؟
الفيلم قطعا لم يخضع فى بنائه لهذا المؤشر المسيطر على الإنتاج فى مصر، حيث يبدأ المشروع من فوق إلى تحت «الهرم المقلوب»، نقطة الانطلاق أولا النجوم القادرين على الجذب الجماهيرى، وبعدها لا شىء يهم، هالة مثل عدد محدود جدا من المخرجين الذين نصفهم بتعبير «مستقلين»، أعادت الهرم إلى وضعه الطبيعى، وبدأت بالفكرة التى تطرح السيناريو، ثم الفنيين والفنانين ليصبح لدينا شريط سينما، قادر على أن يتنفس سينما، بكل المفردات المسموعة والمرئية.

ثانى فيلم مصرى أشاهده فى المهرجان «شرق 12» لهالة القوصى فى قسم «أسبوعى المخرجين»، الأول «رفعت عينى للسماء» لندى رياض وأيمن الأمير، والعنوان مأخوذ عن ترنيمة دينية من العهد القديم، عرض فى قسم «أسبوع النقاد»، وتناولته قبل أيام فى تلك المساحة.

هالة فى فيلمها الجديد «شرق 12»، تذهب إلى منطقة درامية أكثر رحابة وشمولا، الإنسان فى علاقته بالسلطة، بكل المحددات القانونية والاجتماعية والنفسية المتعارف عليها، ولهذا تنتقل إلى مزرعة محاطة بسور عال من كل الجهات، وتنتهى إلى تحطيم هذا الجدار والانطلاق بعيدا، ظلت المخرجة حريصة على أن تتحرر من الزمان والمكان، لتظل قراءة العمل الفنى مفتوحة ومتاحة للجميع.

تسعى دائما حتى تضمن ذلك، إلى تجريد الزمن وإلى الأرض المحايدة، حتى لو وجدت إشارات فى أغنية أو جهاز تسجيل ينتمى لمرحلة زمنية محددة، أو حتى شخصية درامية صار لها حضورها فى الحياة مثل «قناوى» الدور الذى قدمه يوسف شاهين فى فيلمه الأثير «باب الحديد» 1958لا، فإنها سرعان ما تنطلق بعيدا عن هذا القيد، لتعيدك كمتلق مجددا إلى مرونة استقبال الفيلم داخل مزرعة محددة القوانين.

السؤال الذى كان ولا يزال يتكرر فى العديد من المهرجانات والندوات، لمن تنسب جنسية الفيلم؟ القاعدة شبه المستقرة عالميا، أن الفيلم شرعيا ينتمى لجهة الإنتاج، خاصة تلك التى تشارك بقسط أكبر فى التمويل، إلا أن الاستثناء وارد، وقسم «أسبوعى المخرجين» فى مهرجان «كان»، منحاز بطبيعة تكوينه، إلى أن الجنسية للمخرج وليست لشركة الإنتاج، وهكذا رسميا فإن فيلم «شرق 12» لهالة القوصى برغم تعدد جهات الإنتاج العربية والأوروبية، فإنه وطبقا لجنسية المخرجة والكاتبة والمونتيرة هالة القوصى مصرى «الجينات»، ناهيك أن اللهجة مصرية وأغلب المشاركين من فريق العمل مصريون، كثيرا ما نفاجأ بفيلم مهم يمثل مصر، إلا أن الصحافة الفنية كالعادة كانت مشغولة أكثر بمتابعة فستان نجمة مغمورة وجدت فيه خروجا عن الآداب؟.

هل صرنا كسالى إلى هذه الدرجة، حيث نفاجأ بهذه الأفلام وبتلك المواهب، أم أن أصحاب المواهب فى العادة يبتعدون عن الصخب الإعلامى، وهكذا لا نجدهم منتشرين فضائياً، لأنهم مشغولون بتوثيق وليس تسويق إبداعهم.

قبل سبع سنوات شاهدت فيلم «زهرة الصبار» أول إخراج لهالة القوصى ممثلا للسينما المصرية فى مهرجان «دبى».

وكتبت فى تلك المساحة، شاهدت فيلمًا جديرًا بأن يجدد بداخلنا الثقة فى سينما مصرية لديها غنى بصرى ورحابة فكرية وألق يستقبل ببكارة وخصوصية كل الجماليات السينمائية سمعيًا وبصريًا، يسحرنا شريط سينمائى جاذب ومشبع بكل التفاصيل، ومخرجة لديها موقف وهدف وقدرة على أن تضع ممثليها على طريق الصدق والتلقائية ليبرع كل منهم فى مساحته الدرامية.

هالة القوصى على المستويين الدرامى والإخراجى موهبة متفردة ستبرق بقوة فى الساحة المصرية والعربية.

الشريط من الممكن أن تصفه بالسينما المستقلة، برغم أن اللفظ فى حاجة لمزيد من التدقيق، ولكن دعونا نعتبرها كذلك حتى لا نبدد المساحة فى جدل خارج الموضوع.

فى فيلمها الأول أيضا حرصت المخرجة على أن تضع هامشًا موازيًا للواقع تعيشه كل الشخصيات، وكثيرًا ما تعبر عنه سينمائيًا فى مشاهد أقرب لأحلام اليقظة المستحيلة، الواقع الذى يبدو فى جزء كبير منه أسود، خلق خطًا مبهجًا موازيًا له مرسومًا بألوان قوس فزح، وهو أيضا ما نضح به شريطها الثانى، ليؤكد أن المبدع دائما شعوريا ولا شعوريا لديه «تيمة» موسيقية أو تشكيلية أو درامية، تحركه وتدفعه لللإبداع بأكثر من تنويعة، وهذا ما فعلته هالة القوصى فى «شرق 12».

قدم الممثل المبدع القدير أحمد كمال دوره المتعدد الأوجه فهو الحاكم والجوكر، الشيطان والملاك، خفيف الظل ومبهج وفى نفس الوقت دموى حين ينتقم.

امتلاك التليفون أحد مؤشرات عناصر القوة والسطوة، وهو ما نراه بين الحين والآخر، بقدر ما يعطى أوامر بالتليفون، بقدر أيضا ما يخضع هو أيضا لمن يحركه مثل عرائس الماريونيت، وكأنه يقدم «نمرة» على المسرح كما يؤديها فى الحياة، يلعب، على حد السيف، يمتلك من الأوراق يستطيع أن يمارس هوايته فى الانتصار على الجميع، ولكن بداخله خوف كامن من الغضب الذى يتجمع فى الصدور.

منحة البطراوى واحدة من أيقونات تلك السينما الموازية التى تحطم القواعد، وجه ساحر، بقدر ما هو ساخر، فى تقمصها للشخصية، صنعت عالما موازيا للمزرعة داخل المزرعة، فهى تعمل بأقدم نظام تجارى عرفته البشرية قبل اختراع النقود، وهو «المقايضة» لديها ما تمنحه، وليست دائما المقابل هى النقود، ولكن أشياء أخرى، هناك أيضا قطع «السكر».

حفيدها الوجه الجديد عمر رزيق، الذى أراه قادما بقوة للساحة الفنية بحضور لافت، يؤدى دور الموسيقى الذى يمارس المهنة بأقل الإمكانيات، وهو أيضا الثائر ضد الظلم متحديا الحاكم البهلوان، يدافع عن حبيبته الوجه الجديد فايزة شامة لتؤكد المخرجة وبهذا الاختيار، أنها تمتلك القدرة على تسكين الأدوار وأيضا توجهيها.

تواصل هالة فيلمها الثانى مع نفس عناصر القوة فى فيلمها الأول، مدير التصوير عبد السلام موسى وواضع الموسيقى التصويرية أحمد الصاوى، الصورة باقتدار تنتقل بين الأبيض والأسود والألوان، والموسيقى تلعب دورها فى تحرير الرؤية لتخترق بصريا وسمعيا، حدود الزمان والمكان.

شريط سينمائى قطعا لا يحكى فى كلمات، عندما يتاح على الشاشة أو على «المنصات» ستكتشف أبعادا أخرى، ستعيد أنت قراءته، وفى النهاية سترى أن الحقيقة واحدة مهما تعددت الحكايات!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«شرق 12» تعددت الحكايات والحقيقة واحدة «شرق 12» تعددت الحكايات والحقيقة واحدة



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib