جثة هند ومعركة الدولة
محكمة الغابون تحكم بالسجن 20 عاما غيابيا على زوجة وابن الرئيس السابق علي بونغو بتهم الفساد مصرع 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً في غرق قارب قبالة سواحل ليبيا كوريا الجنوبية تصدر حكمًا عاجلًا ببراءة أوه يونج سو بطل Squid Game من تهمة التحرش الجنسي وإلغاء أي محاولات استئناف أو اعتراض على الحكم الإعصار فونج وونج يجبر تايوان على إجلاء أكثر من 3 آلاف شخص ويتسبب بمقتل 18 في الفلبين وتدمير آلاف المنازل زلزال بقوة 5,1 ريختر يضرب منطقة شمال شرق مدينة توال بجزيرة بابوا إندونيسيا على عمق 10 كلم قائد قسد يصف انضمام سوريا للتحالف ضد داعش بخطوة لمحاربته نهائيا حركة الطائرات في مطارات الامارات تصل الى مستويات قياسية خلال يناير الى مايو كوشنر يؤكد لا إعمار لغرب غزة قبل نزع سلاح حماس غوغل تحذر من خطورة شبكات الواي فاي العامة على بيانات المستخدمين نعيم قاسم يؤكد أن وقف إطلاق النار مشروط بإنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان واستعادة الأسرى والسيادة كاملة
أخر الأخبار

جثة هند... ومعركة الدولة

المغرب اليوم -

جثة هند ومعركة الدولة

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

حاولتُ الفرارَ من جثتِها الصغيرة. تعبنَا من الرثاء. أمضينَا العمرَ جنازات جنازات جنازات. لا الغضبُ يحمي ولا الدموعُ تبلسم. نودّع مقتلةً ثم تطالعنا مذبحةٌ أشدُّ. كأنَّ هذا الشرقَ الأوسطَ الرهيبَ أدمن الاستحمامَ بالدَّمِ البريء. قلتُ ابتعدْ. اكتبْ عن الفصل الجديد في معركةِ الصراع على العراق. ثأرت أميركا لجنودِها الثلاثة فاستعجلتْ موعدَ رحيلِها عن البلاد التي غزتها في 2003 وأسقطت نظامَها. واضح أنَّ طهرانَ استدرجت واشنطن إلى معركةٍ يتعذَّر الانتصارُ فيها. وأنَّ طهرانَ غسلت سلفاً يديها من ممارسات «الأذرع» الموزعةِ على خرائطِ الممانعة.

تذكَّرت أنَّ البارحة كان يومَ ذكرى إعلانِ انتصار الثورة الخمينية في إيران في 11 فبراير (شباط) 1979. وأنَّه لا يمكن قراءة العقودِ الماضية في المنطقة من دون التَّوقفِ عندَ ذلك التاريخ. ولا يحتاج المشهدُ إلى كبيرِ شرح. إيران أقوى في العراق من الدولةِ العراقية. وأقوى في سوريا من الدولة السورية. وأقوى في لبنانَ من الدولة اللبنانية. وأقوى من الحوثيين في اليمن. أقوى وأبرعُ من حلفائها أو وكلائها. ترتّب الوليمة ولا تترك بصماتِها عليها. جولاتُ وزيرِ الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في عواصم الممانعة تكشف الملامحَ الجديدةَ لهذا الجزء من المنطقة. تحدَّث ببراءة كأنَّه وزيرُ خارجيةِ النمسا. شدَّد على الاستقرار وعدم الانزلاق إلى الهاوية، كاشفاً أنَّ بلادَه تبادلتِ الرسائلَ مع أميركا في الأسابيع الماضية. قال إنَّ واشنطن طلبت من طهران التدخلَ لدى «حزب الله» اللبناني لمنع الانزلاقِ إلى حربٍ واسعة. ليست بسيطةً مهمةُ برمجةِ الحروب الموازية للحرب المفتوحة في موازاة حربِ غزة.

حاولت الفرارَ من حكاية هند رجب فلم أُفلحْ. في عصر التقدم والذكاء الاصطناعي وشرائحِ إيلون ماسك، رمت سنواتِها الست في وجه العالم. في وجه الغابة الدوليةِ وبنيامين نتنياهو. ألصقتها بجثةِ الضمير العالمي. لم أقرأ لعمالقةِ الرواية مشهداً أكثر قسوةً وإيلاماً. توهمت هند أنَّ ثمة مكاناً في غزة أقل خطورة من آخر. فرَّت مع أقاربها من حي تل الهوى لتفادِي الموتِ أو تأجيله. لا يحقُّ للموت أن يزورَها. ليست «إرهابية» ولا علاقة لها بالأنفاق. لم تشارك في إطلاق «طوفان الأقصى» أو أيّ طوفان آخر. كانت كجميع الأطفال تحلم بيومٍ بلا طائرات ومدافع. تحلم راضيةً بأفقر الألعابِ والنوم على أفضلِ الوسائد وهي يد أمّها. كانت تريد طريقَ المدرسة. وطريقَ الضحكات البريئة والألعاب. لم تتنبّه إلى قرار اتخذه صانعُ النكبةِ الثانية. غزةُ مكانٌ لا يصلح للعيش. غزةُ مكانٌ يُقتل فيه كل شيء يتحرَّك. غزةُ مكانٌ يُقتل فيه الأطفالُ حتى لا يتعلموا الوطن والأغاني.

صارت القصةُ شائعةً ومعروفة. انهمرَ الرصاصُ فقُتل عددٌ من ركاب السيارة باستثناء هند وصبيةٍ صغيرةٍ قريبة لها. تمَّ الاتصالُ بهما فتوسلتَا إلى المتَّصل أن يرسلَ من ينقذ. أوفد الهلالُ الأحمرُ مسعفيْن اثنيْن لكنَّ الموتَ كانَ في انتظارهما. ماتت قريبةُ هند وأقامتِ الصغيرةُ أياماً بينَ الجثث. لن يصلَ أحدٌ فحكم الإعدامِ مبرمٌ. وحين انسحبتْ قواتُ الاحتلال من المكان أطلَّت جثةُ هند المقيمةُ بين الجثث.

منذ الحرب التي أطلقَها نتنياهو رداً على هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تدفَّق نهرُ الجثثِ الصغيرة بالآلاف. اصطادتِ الحربُ الأطفال في البيوتِ والملاجئ والطرقات. فرَّ النازحون من الموت إلى الموت. واليومَ مع حديث نتنياهو عن «النصر الكامل» والتمسُّكِ بخوض معركةِ رفح يحبسُ العالمُ أنفاسَه خوفاً من أن يتحوَّلَ نهرُ الجثث بحراً بلا حدود.

يقترب عدد من سقطوا في غزة من ثلاثين ألفَ ضحية. عددٌ يوازي سكانَ مدينةٍ صغيرة. فاقَ معدَّلُ القتلِ اليومي ما كانَ عليه في نزاعات أخرى. تميَّزت هذه الحرب بقدرتِها على حصد الأطفال. مهمةُ وقف الحربِ باتت أكثرَ إلحاحاً من أي وقت مضى. ارتكاب مذبحةٍ مروعة في رفح سيدسُّ في جسد المنطقة ألغاماً أشدَّ من السابقة. لا بدَّ من وقف النار. ولا بدَّ من فتح الأفق السياسي. ولا بدَّ من جعلِ حرب غزةَ الحربَ الأخيرة في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وعلى قاعدةِ قيام الدولةِ الفلسطينية المستقلة.

ما أصعبَ الرجوعَ من الحرب حين يذهب المتحاربون بعيداً فيها! وحين تختلط معركةُ الحدود بمعركة الوجود. وحين يشعر كثيرون باستحالة العيش تحت سقف واحد وصعوبة العيش في بيتين متلاصقين. لكنَّ التجاربَ تقول إنَّ محاولات شطب الآخر غير ممكنة. تنجبُ حروباً مروعةً وليست موعودة بالضربة القاضية. لهذا تبدو الصعوبات التي تواجه الوسطاءَ متوقعة تماماً. لم يطلق نتنياهو هذه الحربَ المدمرة ليسلم اليوم بالدولة الفلسطينية التي أمضى عمرَه يحاول اغتيال احتمالات قيامِها. ولم يطلق يحيى السنوار الرصاصةَ الأولى ليطلب منه لاحقاً التخلي عن إدارة غزة في مقابل دولة فلسطينية ستكون ولادتُها مشروطةَ بالاعتراف بإسرائيل.

معركة الدولةِ المستقلة هي النافذة الوحيدة لوقف دوامةِ الحروب الفلسطينية - الإسرائيلية. قيامُ الدولة الفلسطينية المستقلة ضرورةٌ فلسطينية وضرورةٌ للمنطقة التي تقيم على خط الزلازلِ منذ قيام الدولة العبرية. لا بدَّ لإدارة جو بايدن من تجاوز إدانة «الرد الإسرائيلي المفرط» إلى الاعترافِ الصريح بالدولة الفلسطينية وإقرار مسار ملزمٍ يؤدي إلى قيامها. ولا بدَّ للعربِ من خوض هذه المعركة باستجماعِ الطاقات ومخاطبةِ العالم بلغة واحدة، وهو ما رمت إليه القمةُ العربية - الإسلامية التي عقدت في الرياض بعد انطلاق الحرب الحالية.

لا بدَّ من وضع إسرائيل أمامَ الحقيقةِ التي لا مفرَّ منها. وهو ما فعله البيانُ التاريخي الذي أصدرته السعودية بالتشديد على أسبقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أي سلامٍ دائمٍ يتضمَّن التطبيع. لا بدَّ للعالم العربي والإسلامي من وضع ثقلِه في الميزان مستفيداً من عواملَ عدة بينها ثقلُ السعوديةِ عربياً وإسلامياً ودولياً. الدولةُ الفلسطينية ستعيدُ الورقةَ الفلسطينية إلى أهلِها وترابها. ستخفضُ الدولة الفلسطينية منسوبَ زعزعةِ الاستقرار في المنطقة، وتعيدُ صياغةَ حدودِ الأدوار التي سهَّلها النزاع.

أفضلُ تكريمٍ لجثةِ هندٍ الصغيرة قبرٌ في ترابِ الدولة الفلسطينية المستقلة. وحدَها هذه الدولة يمكن أن توقفَ تدفُّقَ نهرِ الجثث وتفتح أبوابَ الأمل أمامَ أطفال غزة والضفةِ وما هو أبعد منهما.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جثة هند ومعركة الدولة جثة هند ومعركة الدولة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib