السيد الرئيس لا يحبُّ النصيحة
ترامب يستبعد مناقشة "تقسيم الأراضي" مع بوتين في قمة ألاسكا ممثل منظمة الصحة العالمية يحذر من كارثة صحية في غزة مع نفاد أكثر من نصف الأدوية الأساسية وزارة الخارجية السودانية تُرحّب ببيان مجلس الأمن الدولي الرافض لتشكيل "حكومة موازية" حركة حماس تدعو لمسيرات غضب عالمية أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية في مختلف العواصم والمدن روسيا تفرض قيوداً على تيليغرام وواتساب وتوضح الأسباب سقوط 12 شهيدا من عناصر تأمين المساعدات منذ صباح اليوم جراء 3 غارات إسرائيلية استهدفتهم شمالي قطاع غزة مقتل وفقدان عشرات الأشخاص جراء غرق قارب بالبحر المتوسط حركة حماس تدين تصريحات نتنياهو حول «إسرائيل الكبرى» وتدعو لتحرك عربي ودولي عاجل آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدًا بالإبادة الجماعية في غزة واستنكارًا لاغتيال مراسل قناة "الجزيرة" أنس الشريف وزملائه منظمة التعاون الإسلامي تدين تصريحات رئيس وزراء إسرائيل حول ما يسمى بإسرائيل الكبرى وتحذر من تداعياتها على الأمن الإقليمي والدولي
أخر الأخبار

السيد الرئيس لا يحبُّ النصيحة

المغرب اليوم -

السيد الرئيس لا يحبُّ النصيحة

غسان شربل
بقلم : غسان شربل

أحياناً يرفضُ صاحبُ القرار نصيحةً ذهبية كان يمكن للأخذ بها إنقاذُ شعوبٍ وخرائطَ، والحيلولة دون إهدار بحرٍ من الدماء وأمواجٍ من اللاجئين. وتزداد الخطورةُ حين يتعلَّق الأمر برئيس دولة عظمى تتكئ على ترسانةٍ عاتية. مشكلة الأصوات العاقلة أنَّها لا تتوغَّلُ غالباً في أذن صاحبِ القرار، خصوصاً في المنعطفات الحادة ومناخ البحث عن فرصة ثأر أو انتقام، حتى ولو كانت في مكانٍ خطر وغير مناسب.
هذا ما حصل على هامش قمة لحلف «الناتو» عُقدت في براغ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002. كانَ الرئيس الفرنسي جاك شيراك قلقاً من الغيوم السوداء التي تتجمَّع لتبرير غزو أميركي للعراق. جلسَ قبالةَ جورج بوش الابن، وقالَ له كلاماً صريحاً يشبهُ القراءةَ في السنوات المقبلة. قال شيراك: «إن وقوعَ حرب سيضرب الاستقرار في المنطقة، وسيكون من نتائجه إيصالُ الشيعةِ الموالين لإيران إلى السلطة في بغداد، وتعزيز نفوذ طهران في دمشق ولبنان عبرَ (حزب الله). ثم إنَّ هذه الحرب لن تكون شرعية، فضلاً على أنَّها ستُحدث انقساماً داخل الأسرة الدولية وستمرغ شرف الغرب، كذلك فإنَّها ستتسبَّب في فوضى من شأنها إطلاق موجةٍ من الإرهاب سيكون من الصعب السيطرة عليها».
لم يُظهر بوش أيَّ رغبةٍ في الاستماع إلى النصيحة. كانت أميركا مجروحةً من هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، ونظرَ مستشارو الرئيس الأميركي إلى فرنسا كدولة قديمة خانعة. والرواية من كتاب لموريس غوردو مونتاني الذي كان مستشاراً دبلوماسياً لشيراك، وتولَّى أيضاً منصبَ الأمين العام للخارجية. ولا ضرورةَ للتذكير بالأدلة التي تؤكد صحةَ توقعاتِ شيراك ومعرفته بالتوازنات التاريخية في المنطقة، والتي لم تستوقفْ صقورَ الإدارةِ الأميركية والمحافظين الجدد.
ذكَّرني كلامُ شيراك بما سمعته من رجل كان شاهداً في قصر الرئاسة العراقي في عهد صدام حسين. قال إنَّ طارق عزيز جاءَ إلى العشاء متأخراً وبوجه قاتم. كانَ الشخص الرابع في العشاء الذي أقيم في منزل أحمد حسين رئيس ديوان الرئاسة. كانَ عزيز يدرك أنَّ عباءةَ الصمت هي عباءة السلامة، لكنَّه كانَ يشمُّ رائحةَ الكارثة، وأراد أن يسجّلَ أمام أصدقائه أنَّه لم يساهم في استعجالها.
روى عزيز أنَّ القيادةَ اجتمعت برئاسة صدام حسين (بعد ثمانية أيام من الاجتياح العراقي للكويت). طُرح في الاجتماع موضوعُ ضمِّ الكويت إلى العراق، واعتبارها المحافظةَ التاسعةَ عشرةَ. سارع «رجال الرئيس» إلى الترحيب. قال عزيز إنَّه كوزير للخارجية لفتَ إلى العواقب التي يمكن أن تترتَّبَ على ضمّ دولةٍ عضو في الأمم المتحدة، وأنَّ الغربَ سيستغلُّ الخطوةَ لتأليب الرأي العام الدولي ضد العراق، وتمهيد الأجواء لاستهدافه. قال بعض الحاضرين إنَّ أميركا وإسرائيل لا تحترمان القانونَ الدوليَّ، فأوضح عزيز أنَّ العراقَ دولةٌ متواضعةُ الحجم، ويمكن أن تلحقَ بها أضرارٌ، في حين أنَّ أميركا دولة كبرى.
لاحظ عزيز أنَّ أعضاءَ القيادة لم يستسيغوا كلامَه على الإطلاق، وبدا من عيونهم أنَّهم يُعدون لإثارة غضب الرئيس القائد ضده، فاكتفى بما قاله، وكان الختامُ إعلانَ ضمّ الكويت و«إعادة الفرع إلى الأصل». والحقيقة أنَّ طارق عزيز كان من «رجال الرئيس»، لكنَّه كان يمتاز عن رفاقه ورئيسهم بأنَّه يعرف العالم وموازين القوى فيه. وكان يأمل في حال الأخذ بنصيحته أن ينتقلَ لاحقاً إلى طرح فكرة الانسحاب من الكويت قبل هبوب عاصفةِ الحرب.
أدرك المشاركون في العشاء خطورةَ ما سمعوه. سأل صاحبُ المنزل عزيز عن النتيجة المتوقعة، فاكتفى بالقول: «وحده الله يعلم النتيجة». كان العشاءُ صعباً وكئيباً، وغادر عزيز بشعور مَن تيقَّنَ أنَّ المركبَ يغرق.
في خريف 2021 تجمَّعت لدى الأجهزة الأميركية معلوماتٌ عن استعدادات عسكرية روسية قرب حدود أوكرانيا. تخوَّفت واشنطن من أنَّ الرئيس فلاديمير بوتين قد يكون في طريقه إلى توجيه ضربةٍ إلى أوكرانيا. أوفد الرئيس جو بايدن مدير «سي آي إيه» وليام بيرنز إلى موسكو حاملاً ما يشبه النصيحة والتحذير. أوصل بيرنز الرسالة إلى سيد الكرملين، وجوهرها أنَّ واشنطن تنصح بعدم ضرب أوكرانيا أو التدخل عسكرياً في أراضيها، وأنَّها لن تتساهلَ في حال حصول ذلك. لم يأخذ بوتين نصيحةَ بيرنز على محمل الجد، ومثلها التحذير المتضمن فيها. في 24 فبراير (شباط) 2022 أطلقت موسكو «العملية العسكرية الخاصة»، واشتعلت الحرب الأوكرانية التي تحولت مبارزة بين السلاحين الروسي والأطلسي.
سيكون مثيراً لو عرفنا ذات يوم شيئاً مشابهاً لِما قاله شيراك لبوش الابن، ولِما قاله طارق عزيز في اجتماع القيادة العراقية. هل كان موقف سيرغي لافروف - المجرب والمحنك، ويُفترض أنَّه يعرف العالم - شبيهاً بموقف عزيز؟ وهل تحاشى - وهو من «رجال الرئيس» - إغضابَ الرفاق الآخرين الأقربين إلى أذن سيد الكرملين؟ هل هناك مَن قدَّمَ نصيحةً بعدم اجتياح أوكرانيا وحذَّر من العواقب؟
لا مبالغةَ في القول إنَّنا نخوض في بدايات أخطر سنة منذ أيام الحرب العالمية الثانية. استقرار روسيا حيويٌّ لمحيطها وللعالم. لا مصلحة لأحد في روسيا مضطربة يمكن أن تتطايرَ أجزاء من خريطتها على غرار ما أصاب الاتحاد السوفياتي. روسيا دولة عريقة وكبيرة ولا يترسَّخ استقرار العالم من دون استقرارها. أغلب الظَّنِّ أنَّها ستربح الحرب إذا طالت، مستفيدةً من التناقضات الأميركية الداخلية والهشاشة الأوروبية. لكن ماذا ينفع روسيا إذا ضمَّت مقاطعات أوكرانية واستيقظت «الألغام» النائمة في جسدها؟
دفع العراقُ ثمنَ «أم المعارك» الصدّامية. ودفع الشرق الأوسط ثمن «أم المعارك» البوشية. لا نريد أن يدفعَ العالمُ ثمن «أم المعارك» البوتينية. صحيح أنَّ بوتين ليس بوش الابن، وليس صدام حسين، لكنَّ المخيفَ هو أن نكتشفَ، ما يصدق في أكثر من مكان، وهو أنَّ السيدَ الرئيس لا يحب النصيحة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيد الرئيس لا يحبُّ النصيحة السيد الرئيس لا يحبُّ النصيحة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - المغرب اليوم

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 06:32 2023 الأحد ,23 إبريل / نيسان

انقطاع شبه كامل لخدمة الإنترنت في السودان

GMT 18:01 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تتهرب من تحمل المسؤولية

GMT 15:31 2021 الخميس ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسابقة ملكة جمال الكون في إسرائيل تثير جدلا

GMT 21:27 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجآت بالجملة في تشكيلة برشلونة أمام بروسيا دورتموند

GMT 00:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

كشف هوية "المرأة الغامضة داخل التابوت الحديدي"

GMT 10:35 2020 الخميس ,30 إبريل / نيسان

شركة سعودية تعلن عن تنفيذ مشاريع عائمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib