الرجل الذي فاجأ بوتين
ترامب يستبعد مناقشة "تقسيم الأراضي" مع بوتين في قمة ألاسكا ممثل منظمة الصحة العالمية يحذر من كارثة صحية في غزة مع نفاد أكثر من نصف الأدوية الأساسية وزارة الخارجية السودانية تُرحّب ببيان مجلس الأمن الدولي الرافض لتشكيل "حكومة موازية" حركة حماس تدعو لمسيرات غضب عالمية أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية في مختلف العواصم والمدن روسيا تفرض قيوداً على تيليغرام وواتساب وتوضح الأسباب سقوط 12 شهيدا من عناصر تأمين المساعدات منذ صباح اليوم جراء 3 غارات إسرائيلية استهدفتهم شمالي قطاع غزة مقتل وفقدان عشرات الأشخاص جراء غرق قارب بالبحر المتوسط حركة حماس تدين تصريحات نتنياهو حول «إسرائيل الكبرى» وتدعو لتحرك عربي ودولي عاجل آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدًا بالإبادة الجماعية في غزة واستنكارًا لاغتيال مراسل قناة "الجزيرة" أنس الشريف وزملائه منظمة التعاون الإسلامي تدين تصريحات رئيس وزراء إسرائيل حول ما يسمى بإسرائيل الكبرى وتحذر من تداعياتها على الأمن الإقليمي والدولي
أخر الأخبار

الرجل الذي فاجأ بوتين

المغرب اليوم -

الرجل الذي فاجأ بوتين

غسان شربل
بقلم : غسان شربل

الصدفة التي استدعت فولوديمير زيلينسكي إلى منعطف كبير فعلت ذلك من قبل. بعد الاستدعاء تتوقف القصة على براعة الرجل وإرادته كي يصنع صورته وقصته. وأحياناً يرفع رجل أعزل سبابته في وجه إمبراطورية فيحرجها ويؤلمها ويذهب معها إلى التاريخ. ويمكن أن يسقط الرجل في الامتحان إذا اختار أسهل السبل وهي الانحناء أو السلامة والابتعاد. ويحدث أن يلتقط اللحظة كالصياد الماهر فيسدد في الوقت الملائم فيربح حتى لو هُزم أو تمكنت الطريدة من الإفلات.
ذات يوم كنت أحاور حازم جواد، الرجل الذي قاد «البعث» العراقي إلى السلطة في 1963. سألني إن كنت أعرف أن كل هالة صدام حسين بدأت بمحض الصدفة. ولأنني لم أكن أعرف روى لي. قال إن نواة من قيادة الحزب بزعامة فؤاد الركابي قررت في عام 1959 اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم. تم اختيار الفريق المكلف بالتنفيذ والمكان. قبل وقت قصير من الموعد المحدد قرر أحد أعضاء الفريق عدم المشاركة. ولملء الفراغ رشح أحد المشاركين شاباً هادئاً صلباً وقليل الكلام، اسمه صدام حسين. سارع صدام وشارك وأصيب. فر بعد المحاولة الفاشلة إلى وكر حزبي. وتقول الحكايات إنه استخدم شفرة لنزع الرصاصة من ساقه. ونجح بعد ذلك في المغادرة إلى سوريا، ومنها إلى مصر. مجرد مصادفة. لكن الحادث أعطى صدام صورة وشرعية في الحزب، استخدمهما لاحقاً في صعوده.
حين ولد زيلينسكي في العام 1978، كان شاباً في السادسة والعشرين اسمه فلاديمير بوتين يستكمل في الردهات الغامضة لعالم الـ«كي جي بي» تدريباته على العيش باسم مستعار والكتابة بالحبر السري وإتقان التضليل والبراعة في الإفلات من المطاردين. وأغلب الظن أن الشاب السوفياتي لم يكن يحلم بأكثر من ترقيات في الجهاز الذي كان مكلفاً سرقة أسرار الغرب وتجنيد الجواسيس أو اكتشافهم. ولم يدرِ في خلد الشاب أن الإمبراطورية العظيمة ستتفكك وأن الجمهوريات التي كانت محشورة في القفص السوفياتي ستسارع إلى تبديل قواميسها وثيابها وستبوح بحبها للغرب. وحين قفزت أوكرانيا من القطار السوفياتي كان زيلينسكي صبياً في الثالثة عشرة يحب تقليد الممثلين وإضحاك أقرانه. وفي تلك الأيام، استدعت الصدفة أنجيلا ميركل لتشق طريقها إلى مقر المستشارية بعدما ألقت ألمانيا الشرقية بنفسها في حضن الوطن الأم.
شهد بوتين من دريسدن انهيار جدار برلين. كان انخرط في العمود الفقري للنظام الذي دهمته الشيخوخة في الثمانينات بعد إقامة ليونيد بريجنيف الطويلة وتعاقب الجنازات في الكرملين.
لم يفعل زيلينسكي شيئاً من هذا. أحب التمثيل. وأغراه دور المهرج. ولم يشعر مرة أن التاريخ يهم باستدعائه وأن عليه الاستعداد للقيادة عند المنعطفات.
لم يكن هناك ما يدفع إلى الاعتقاد أن القدر سيستدعي الرجلين إلى مبارزة على حلبة دامية. مبارزة لا تمس نتائجها فقط صورة الرجلين وبلديهما، بل أمن العالم وتوازناته واقتصاده. ففي بدايات القرن كان بوتين منهمكاً بتضميد جروح «الروح الروسية» وترميم هيبة «الجيش الأحمر» وترويض المقاطعات وبارونات الانهيار الكبير. وفي تلك الأيام أسس زيلينسكي فريقاً ناجحاً للإنتاج التلفزيوني أسماه «كفارتال 95». وحين كان سيد الكرملين يغذي سراً حلمه بالثأر ممن دفعوا جدار برلين وإمبراطورية لينين إلى الهاوية، كان زيلينسكي منهمكاً بتدبيج مضامين ترفيهية ناجحة لمسلسلات تلفزيونية اجتماعية ساخرة ومسلية. ولما راح بوتين يلاعب قادة الغرب ويسخر من تساقطهم بفعل ضجر الديمقراطيات من رجالها ووطأة وسائل التواصل الاجتماعي، كان زيلينسكي لا يحلم بأكثر من الانتقال من المسرح إلى الشاشة. حتى حين تزايد اقتناع بوتين أن روح الأمة استدعته وكلفته مهمة تاريخية مقدسة، كان زيلينسكي منهمكاً برفع نسبة المشاهدين.
عندما استرجع بوتين شبه جزيرة القرم في 2014، لم يكن العالم يعرف شيئاً عن زيلينسكي، ولم يكن مضطراً. وحين أنزل سيد الكرملين في السنة التالية قواته في سوريا، كان الممثل الأوكراني يأسر المشاهدين بدوره في الموسم الأول من مسلسل «خادم الشعب». في المسلسل، جسّد زيلينسكي دور مدرس تاريخ بسيط تسلق السلم الاجتماعي تدريجياً حتى صار رئيساً للجمهورية بعد استخدام كلمات نابية ضد الفساد. وفي 2018 وبعد نجاح المسلسل، قرر زيلينسكي الانخراط في السياسة. وفي السنة التالية حملته الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي إلى قصر الرئاسة. واللافت أن السيد الرئيس بذل جهداً لتحسين لغته الأوكرانية، ذلك أنه ولد في منطقة أوكرانية يتحدث معظم سكانها الروسية.
لم يكن الانضمام إلى حلف «الناتو» مشروعاً ملحاً بالنسبة إلى الرئيس الذي قال إن الخطوة يجب أن يسبقها استفتاء. وكان من الصعب عليه معالجة الجروح الانفصالية في الخريطة، لأن طريق الحل تمر في موسكو.
الصدفة التي دفعت زيلينسكي إلى قصر الرئاسة أوقعته في منعطف شديد الخطورة. كان معظم العواصم تعتقد أن مناورات الجيش الروسي لن تتعدى التخويف لانتزاع تنازلات. ولم يصدق كثيرون ما راحت واشنطن تردده عن «الغزو الوشيك» مرفقاً بالمواعيد. لكن القيصر فعلها، وأوقع نفسه وبلاده والعالم في أكثر الأزمات تعقيداً بعد الحرب العالمية الثانية.
بعد انطلاق الهجوم الروسي كان باستطاعة رجل واحد إنقاذ أوروبا والعالم من عودة أشباح الحرب العالمية الثانية. كان باستطاعته إنقاذ القيصر وصورته وبلاده. كان زيلينسكي يحتاج إلى استيلاء الخوف على روحه وجسده ليسلم بشروط موسكو، أو أن يغادر ليترك لرجل آخر مهمة توقيع ما يشبه الاستسلام. وربما كان يمكن أن ينقذ القيصر لو قُتل في الطلقات الأولى وقفز الجيش لتطبيق الحل الروسي كما اشتهى بوتين. لم يفعل. فاجأ مواطنيه وفاجأ العالم. بالقميص الزيتوني أطل. قال للزعماء الغربيين المتصلين إنه يحتاج «إلى ذخائر، لا إلى بطاقة سفر». سخر الرئيس اليهودي من حديث بوتين عن مطاردة النازيين. أحرج البيت الأبيض وكل زعماء الغرب. أوقع صورة بوتين في النار التي أضرمها ومشاهد البيوت المحروقة وقوافل اللاجئين. اكتسب زيلينسكي شرعية المقاومة، وتحول بطلاً في نظر كثير من مواطنيه. بتصريحاته التي تذكر الغرب بمسؤولياته والخطر الذي يحدق بجيران بلاده، بدا زيلينسكي في صورة من يطلق النار على «فلاديمير الكبير» الذي لا يفتقر إلى صورة البطل لدى جمهور واسع في بلاده.
نادته الصدفة فذهب إلى موعده مع التاريخ. سيكون حاضراً حين يتحدث التاريخ عما فعله الرجل الذي جلس على عرش بطرس الأكبر وأطلق الانقلاب الكبير على العالم الذي اغتال الاتحاد السوفياتي وحرك بيادقه لتطويق بلاد ستالين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل الذي فاجأ بوتين الرجل الذي فاجأ بوتين



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - المغرب اليوم

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 06:32 2023 الأحد ,23 إبريل / نيسان

انقطاع شبه كامل لخدمة الإنترنت في السودان

GMT 18:01 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تتهرب من تحمل المسؤولية

GMT 15:31 2021 الخميس ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسابقة ملكة جمال الكون في إسرائيل تثير جدلا

GMT 21:27 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجآت بالجملة في تشكيلة برشلونة أمام بروسيا دورتموند

GMT 00:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

كشف هوية "المرأة الغامضة داخل التابوت الحديدي"

GMT 10:35 2020 الخميس ,30 إبريل / نيسان

شركة سعودية تعلن عن تنفيذ مشاريع عائمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib