هل يغيّر المال والانفتاح الإيرانيين

هل يغيّر المال والانفتاح الإيرانيين؟

المغرب اليوم -

هل يغيّر المال والانفتاح الإيرانيين

عبد الرحمن الراشد

استمعت إلى سلسلة الأحاديث التلفزيونية الأميركية التي تعقّب على تبعات الاتفاق النووي مع إيران، معظمها متفائل بأنه سينهي حقبة من المواجهة، وبعضها اعتبرته مثل الانفتاح على الصين في السبعينات، وكيف تحوّلت الدولة الشيوعية المتزمّتة إلى نظام ليّن معتدل صديق للولايات المتحدة، رغم أن النظام لم يتغير.
وتبقى قراءة المستقبل مجرد تخمين، وبعضها تمنّيات. والكثيرون يتمنّون فعلاً أن تتغيّر إيران إلى الأفضل، أن تكون صينًا جديدة، ودولة تضيف إلى العالم إيجابية وسلامًا.
ويمكن أن يصدق حدسهم وتتغيّر إيران إلى الأفضل، وتتحوّل إلى دولة تهتمّ بالتنمية والتحديث، وتنافس دول المنطقة، ودول العالم، في العلوم والاقتصاد والسياحة. إنما هذا الاحتمال مرهون بتغيير التفكير القيادي الذي أقام دولته ضد مفاهيم التحديث. فقد كان بين القيادات الإيرانية الأولى من الثورة دعاة للتحديث المدني، وتطوير النظام، والتحوّل نحو إيران جديدة، لكنَّ هؤلاء سرعان ما خسروا المعركة وبعضهم انتهى إلى الإعدام، والبعض الآخر أُحيل إلى التقاعد، على اعتبار أنهم خانوا مبادئ الثورة التي قالوا إنها تقوم على بناء دولة لا تشبه دولة الشاه التي كانت تفاخر بالتحديث والتطوير.

حدث هذا منذ زمن بعيد، وقد ساعد الانغلاق المتشدّدين على الإمساك بالحكم وإدارته وفق مفاهيمهم المُعادية للعلاقات مع الغرب وضد التحديث. بنوا حول الشعب الإيراني أسوارًا عالية، ولم يبقَ للبعض منهم سوى زيارات محدودة لمدن مختلفة عن مدنهم، مثل دبي وأنقرة.
ولو أن السلطات الإيرانية قررت الانفتاح على العالم، بالسماح لمواطنيها بالسفر للخارج، وللأجانب بزيارة إيران والعمل فيها، قد يحدث التغيير المأمول، وإن كان التغيير يستغرق عقودًا، وليس كما يتصوره البعض عامًا أو اثنين.

وهناك من راهن على تأثيرات البحبوحة الاقتصادية الموعودة بعد الانفتاح، وكيف أنها ستغيّر من سلوك المجتمع والقيادة، على اعتبار أن إيران دولة معظم سكانها فقراء، ومدنها يعلوها البؤس، وأن الحصار الطويل حرمها من وسائل الترفيه.
الحقيقة أن وفرة المال والحياة المادية لا تغير المجتمع بالضرورة إلى الأفضل. وفرة المال قد تزيد من التشدّد السياسي والاجتماعي والديني، بخلاف المفهوم السائد أنه دافع للتمدّن والتبدّل السريع. ولدينا أمثلة حيّة كثيرة في المجتمعات الإسلامية، حيث تحوّلت الموارد المالية الكبيرة إلى عامل تطرّف مبالغ فيه، تجاوزت التطرّف أيام الفقر. الأموال رأيناها تزيد رجال الدين تشدّدًا وسيطرة.

بالنسبة لنا في المنطقة لا يهمّنا كيف يدير الإيرانيون شؤون حياتهم اليومية، ولا يحقّ لنا أن نملي عليهم كيف يتصرّفون بعوائد الاتفاق النووي أو المداخيل الجديدة من التعاون مع الغرب. ونحن آخر من يحقّ لهم أن يعطي محاضرات في الانفتاح واستثمار عوائد النفط. لقد مررنا قبلهم بتجربة الثراء البترولي، وأسأنا إدارتها، فأفسدت حياتنا الاجتماعية ومفاهيمنا حول التنمية والتطور. بين الأحلام والأوهام، الذي يهمّنا في التفاسير الأميركية لمرحلة ما بعد توقيف الاتفاق النووي مع إيران، ورفع الحصار، هو الجانب السياسي الخارجي، وإدارة العلاقة معها حيال قضايانا. لقد بدّد النظام الإيراني مليارات الدولارات في مشاريع سياسية في منطقة الشرق الأوسط، تحت سياسة صريحة عنوانها تصدير الثورة وفرض النموذج الإيراني على بقية الدول، ولا يزال يمارسها. هذا هو الإشكال الوحيد بيننا وبين طهران. صارت مصدر همّ دائم لكل دول المنطقة، ومصدر فوضى وحروب. هل يمكن أن يغيّر الاتفاق والانفتاح هذا السلوك وهذه السياسة؟ صراحة شكوكنا كبيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يغيّر المال والانفتاح الإيرانيين هل يغيّر المال والانفتاح الإيرانيين



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 01:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين
المغرب اليوم - ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib