تراجع «الغرب» والمشهد العالمى اليوم

تراجع «الغرب» والمشهد العالمى اليوم

المغرب اليوم -

تراجع «الغرب» والمشهد العالمى اليوم

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

شهر يونيو الماضى كان شهر القمم الغربية بامتياز. وللتذكير بدأ ذلك الشهر بقمة مجموعة السبع فى كندا التى أكدت ضمن ما أكدته أن التحديات العالمية تستدعى التنسيق الفاعل على المستوى العالمى لمواجهتها، وهو أمر بديهى لا يخفى على أى متابع أو مراقب للوضع الدولى. لكن ذلك لا يخفى رغم أهمية التشاور والبحث فى بلورة سياسات مشتركة لمواجهة هذه التحديات الصعود القوى والوازن لمجموعة البريكس مع توسعها ومن ثم التفوق الاقتصادى لهذه الأخيرة.

 

تفوق يظهر فى مجالات عديدة على مجموعة «الشمال» الدولى فى النظام العالمى الجديد الذى هو فى طور التشكل. وبالتالى فإن هذه المنافسة الدولية بين الطرفين (الكتلتين المشار إليهما)، ستحكم بشكل كبير طبيعة هذا النظام القادم وسماته الرئيسية. قمة منظمة حلف شمال الأطلسى التى انعقدت فى هولندا اعتبرت أنها حققت إنجازًا عندما اتفقت على زيادة الإنفاق الدفاعى لأعضائها لتصل إلى نسبة ٥ بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى لهذه الدول. وكان ذلك بمثابة الموافقة على ما أكده مرارًا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ملوحًا ومهددًا بمراجعة طبيعة الالتزام الأمريكى فى إطار الحلف إذا لم تتحمل الدول الأعضاء هذا العبء المالى الذى هو بمثابة تأكيد على إلتزامها بتعزيز الحلف ودوره ومهامه. لكن الكثير من المراقبين اعتبروا أن تحقيق هذا الهدف كان أمرًا ضروريًا، لكنه غير كاف لاستمرار وجود «ضعف» بنيوى فى دور الحلف «وصورته» يعكس خلافات متزايدة بين أعضاء الحلف حول العديد من الملفات الأمنية الرئيسية. الملفات التى يفترض أن تكون له سياسات موحدة ومشتركة فعليا تجاهها. خير دليل على هذه الخلافات التمايز بين الموقف الأمريكى من جهة والأوروبى العام فى الحلف من جهة أخرى فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية. تمايز يعكس الاختلاف فى الأولويات الدولية فيما يتعلق بمصادر الأخطار والتحديات التى تواجه الحلف. الأوروبيون بمجملهم تتمحور أولوياتهم الأمنية فى المسرح الاستراتيجى فى القارة القديمة؛ فى أوروبا أمام الخطر الروسى المتزايد فيما الأولوية الأمريكية انتقلت إلى «منطقة المحيطين» مع التركيز على أولوية الخطر الصينى: هنالك تمايز ضمن الحلف يتعلق بمصدر الخطر الأولى وكذلك بالمسرح الاستراتيجى الأولى لهذا الخطر. الالتزام المالى للإسهام فى موازنة الحلف أمر ضرورى، لكن الاتفاق على الأولويات فيما يتعلق بمصادر الأخطار أكثر أهمية.

 

قمة الاتحاد الأوروبى فى بروكسل كانت الثالثة من حيث الجدول الزمنى للقمم. وأظهرت أن الاتفاقات المبدئية على تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء فى مجالات عديدة والتى تبقى دائمًا على أجندة أولويات عملية البناء الأوروبى المتعثرة منذ فترة طويلة لم تعد كافية لتوفير النجاح المطلوب فى مسار البناء المنشود فالأزمات الاقتصادية فى الدول الأوروبية ولو بدرجات مختلفة وذات المصادر المختلفة، كما أن صعود اليمين المتشدد الذى يقتات على هذه الأزمات المتعددة الأسباب، إلى جانب التداعيات لعملية التوسع الأوروبى السريع نسبيًا من خلال ضم أعضاء جدد وكلفة هذا الانضمام خاصة على الصعيد الاقتصادى وتراجع الدور الاقتصادى الأوروبى والقدرة التنافسية لأوروبا أمام الصعود الصينى السريع أدى إلى توسع وتعمق الأزمة الاقتصادية الأوروبية، الأزمة التى بدورها تشكل عامل تقييد أو إبطاء أساسى أمام عملية البناء الأوروبى.
تنافس اقتصادى ضمن البيت الاستراتيجى الغربى يصل إلى نوع من الحرب الباردة الاقتصادية التى يهدد الرئيس الأمريكى بشنها ضد «الحليف الأوروبى»، وكذلك الاختلافات ضمن البيت الأوروبى -أيضًا- كلها عناصر تقيد وتضعف «الغرب الاستراتيجى» على الصعيد العالمى، خاصة، بعد أن فقد العدو التاريخى المتمثل بالشرق الاستراتيجى مع نهاية الحرب الباردة. العدو الذى كان يسهم بشكل كبير فى شد العصب الغربى. وبعد ذلك انتهت لحظة الأحادية الأمريكية أو اليوم التالى لسقوط جدار برلين. ودخلنا فى عالم «ما بعد بعد الحرب الباردة». عالم يشهد بداية ولادة نظام جديد، حيث تغيرت الأولويات وسقطت التحالفات الاستراتيجية التى تقوم عليها هذه الأولويات بانتظار تبلور نظام عالمى جديد فى «القرية» أو «المدينة الكونية» التى نعيش فيها.
ما نشهده اليوم تبلور نظام يقوم أساسًا على «ثنائية» شمال جنوب بشكل مرن وغير مقفل مع تقاطعات فى المصالح وتحالفات بالقطعة. نظام سيقوم على تعددية قطبية جديدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجع «الغرب» والمشهد العالمى اليوم تراجع «الغرب» والمشهد العالمى اليوم



GMT 19:37 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

شرق «الكابينت» وجديده

GMT 19:22 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

عراقي في الخَليَّة

GMT 19:18 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

نتنياهو ــ غزة... «الخيار جدعون» لا يفيد

GMT 19:13 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

(الست) وحديث السيجارة!!

GMT 19:11 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

المفاجأة القادمة في الشرق الأوسط

نانسي عجرم تتألق بفستان فضي من توقيع إيلي صعب في إطلالة خاطفة للأنظار

دبي - المغرب اليوم

GMT 15:46 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 23:36 2021 الجمعة ,15 تشرين الأول / أكتوبر

علاج فورما للبشرة هو بديل ممتاز لعمليات شد الوجه

GMT 15:22 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

مقتل شخص وإصابة آخر بجروح خطيرة في حادثة سير

GMT 20:09 2018 الثلاثاء ,14 آب / أغسطس

هبوط أسهم شركة "اتلانتيا" الإيطالية

GMT 06:37 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

اللبنانية بولا يعقوبيان تنتقل إلى تلفزيون الجديد

GMT 05:06 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

"لوس أنغلوس تايمز" تتعرض الانتقادات من رواد "تويتر"

GMT 17:14 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

أعرفك.. وشم على نبض القلب، ونفحة من روح السماء!

GMT 01:55 2012 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

خفض قيمة قصر بيل أير إلى 25 مليون إسترليني

GMT 17:13 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب أتلتيكو مدريد يكشف سر الانتفاضة أمام ليفانتي

GMT 16:17 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

معارك القرود تساعد على كشف "النقطة الحرجة" للحيوانات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib