الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

المغرب اليوم -

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

ضمن الأزمات المتصاعدة التي تواجه أوروبا، تبدو حالة العنصرية في مواجهة الإنسان والأديان، وبصورة تُنذر بخطر جسيم، في قارة هي أصل التنوير ومنبع الحريات الفكرية والروحية.

يكاد المرء يعتقد أن الأزمات المتلاحقة التي تُطارد القارة الأوروبية، من مخاوف سياسية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، عطفاً على أوضاع اقتصادية وتنموية متراجعة، باتت تخلف اليوم من ورائها تجاذبات سلبية وعنصرية، جنساً أو لوناً أو ديناً.

قبل بضعة أيام جاءت سطور السفير أنطونيو دي ألميدا ريبيرو، الأمين العام المُكلف لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «كايسيد»، لتُثير التفكير المعمق حول ما يجري في غالبية، إن لم يكن، كل دول أوروبا؛ حيث تجاوز الأمر الانحياز إلى العلمانية، وإن كانت أنوارها جافة وتعمي، على حد وصف الفيلسوف الفرنسي، يساري النزعة، ريجيس دوبرييه، إلى حدود العنصرية المقيتة، التي تجعل من لون البشرة، ويقين المعتقد معياراً للحكم.

يقدم السفير ألميدا أرقاماً للواقع الأوروبي المؤلم تعكس تجارب حياة مؤلمة ومأساوية، دفع أصحابها ثمناً كبيراً من حياتهم عقاباً لهم على ما فطرتهم الطبيعة عليه من جانب، أو قبلوه بوصفه معتقداً وفكراً وجدانياً من جانب آخر.

في مقدم تلك الأرقام، ما ذكرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية (FRA) من أن 50 في المائة من السود في أوروبا تعرّضوا للتمييز خلال السنوات الماضية، سواء أكان تحيُّزاً من الشرطة، أم صعوبات في السكن والعمل.

مسلمو أوروبا ليسوا بعيدين بدورهم عن هذا الواقع العنصري، فقد أظهر استطلاع «حياة المسلمين في الاتحاد الأوروبي» أن واحداً من كل ثلاثة من المسلمين هناك، تعرَّض لمضايقات بسبب هويته الدينية.

من جانب آخر، ارتفعت الحوادث المعادية للسامية بشكل ملحوظ؛ حيث تتزايد يوماً تلو الآخر المشكلات التي يتعرض لها يهود أوروبا.

المفاجأة الكبرى، أن أوروبا، والمفترض أنها قارة مسيحية بالمعنى المجازي، لا سيما في زمن العولمة، والهويات اللزجة، أضحت موقعاً وموضعاً للعداء الواضح والفاضح للمسيحيين، فوفقاً لمكتب المؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، تم تسجيل أكثر من 500 حادثة كراهية ضد المسيحيين في عام 2022، تراوحت بين تخريب أماكن العبادة والاعتداءات الجسدية على رجال الدين المسيحيين.

هل جاءت سطور السفير ألميدا، لتُطلق تحذيراً مخيفاً من واقع حال الجدران التي تُشيد اليوم في أوروبا، ومن أسف على أعمدة الكراهية، عوضاً عن حاجة العالم إلى جسور المودات؛ حيث العبور إلى الآخر.

صرخة «كايسيد» تُمثل جرس إنذار لمرحلة مخيفة ربما تكون أوروبا في طريقها إليها، تُذكِّر العالم بأن الحرب العالمية الثانية على وجه الدقة، انطلقت إثر موجات من العنصرية، وفكر التسامي على الآخر، والفوقية الشعوبية، التي تسببت في وفاة عشرات الملايين من الأبرياء، واليوم يطل السؤال المرعب من نافذة الأحداث: هل يمكن أن تقود الكراهية للأديان، على النحو الذي تشهده أوروبا، إلى نشوء وارتقاء موجات مستقبلية من العنصرية الأوروبية، تصبح بمثابة فتيل الحرب الكونية الثالثة التي يخشى العقلاء اندلاعها؟

على مدى نحو ثلاث عشرة سنة، عمل «كايسيد» على ترسيخ مفهوم جوهري، يُعدُّ بمثابة وصفة ناجعة لمعالجة داء العنصرية، فقد رأى أن الأديان التي تُصوّر أحياناً على أنها مصدر انقسام، يمكن أن تكون قوة شفاء، تُعيد وصل المجتمعات المتصدعة، وتغرس التعاطف، وتوفر إطاراً أخلاقياً للعدالة والكرامة الإنسانية، فالدين ليس ملحقاً ثانوياً في السياسات، بل ركن رئيسي مفقود في صياغة سياسات القرن الحادي والعشرين.

من هذا المنطق يبدو العالم بحاجة ماسة إلى الحوار الخلَّاق، الذي يحترم الخصوصيات الدينية والإيمانية لكل إنسان، لكنه في الوقت نفسه يأخذ في الاعتبار أن البشرية برمتها أسرة واحدة، وفي مواجهة ملمات ونوازل الحياة المعاصرة لا تنفك تبحث معاً عن مرفأ للنجاة.

الحوار بين أتباع الأديان في مفاهيم وآليات وفاعليات مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ممارسة ضرورية، تتطلّب التواضع والمثابرة والانفتاح، لا رفاهية مثالية. هو استماع إلى مَن تتحدى تجاربهم افتراضاتنا، والبحث عن الانعكاس الإنساني في الآخر بدل اعتباره تهديداً.

تبدو أوروبا اليوم في مواجهة ظاهرتي التنميط والتعميم، وهو أمر انتبه له رجالات أوروبا الطيبون، من نوعية البابا فرنسيس الراحل، الذي رفض وصم الأديان بالإرهاب، وكثيراً ما أشار إلى أنه لا يُمكننا أن نسمح، ولا أن نُغلق أعيننا إزاء أي شكل من أشكال التمييز العنصري والتهميش.

ختاماً... الأديان حوار وجوار وسكينة... جسور لا جدران.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا



GMT 17:00 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

يوم فلسطيني بامتياز..ماذا بعد

GMT 16:59 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

تَوَهان المشتغلين في الإعلام

GMT 16:58 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

هل تغير الزمن فعلا ؟!

GMT 15:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الاعتراف بفلسطينَ اعتراف بإسرائيل

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام

GMT 15:27 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

تحقيقٌ صحافي عن عبد العزيز ومن عبد العزيز

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية

GMT 15:15 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

حكاية الطبيب والأميرة ديانا!

الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - المغرب اليوم
المغرب اليوم - أنواع النباتات المثمرة المناسبة في بلكونة المنزل

GMT 07:42 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرسيدس تطلق سيارة رياضية بمواصفات فائقة

GMT 15:45 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

المصري محمد صفوت يودع بطولة لوس كابوس للتنس

GMT 23:22 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

طرق بسيطة لاختيار ساعات عصرية تناسب الرجال

GMT 04:08 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 01:12 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

"نيس" الفرنسي يظهر اهتمامه بضم المغربي أمين باسي

GMT 13:19 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

لاس بالماس الإسبانية المدينة المثالية لقضاء أحلى شهر عسل

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 00:43 2016 الجمعة ,23 أيلول / سبتمبر

شاطئ "الكزيرة" في المغرب جوهرة شمال غرب إفريقيا

GMT 00:02 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو السنباطي يعلن عن رؤيته لمستقبل نادي هليوبوليس

GMT 07:58 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم ماهيكا مانو في طوكيو لمحبي الأماكن الرائعة والمختلفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib