بقلم : أمينة خيري
تلقيت رسائل عديدة من قراء أعزاء للتعليق على مقال «سؤال القمامة»، والذى تطرقت فيه إلى القمامة التى تؤذى قلوبنا وعقولنا وأنوفنا وصحتنا فى شوارعنا وأماكنا العامة، وللعلم أن هذا الإيذاء يلحق بالجميع بمن يعتقد أنه تواؤم وتعايش سلميا وعاطفيا مع تلال القمامة، مشهدا وتأثيرا. إنه أحد الآثار الجانبية بالغة السلبية لمنظومة الاعتياد. يعتاد البعض القبح أو الضرر أو الإيذاء أو جميعها، فيتعايش معها ويعتقد أنها لا تمثل معضلة له، والحقيقة عكس ذلك.
كتبت فى المقال السابق عن «حاجة غلط» فى مشهد القمامة، فكيف لبلد عظيم وقديم، ويفاخر بحضارته وإنجازاته على مر القرون، ورغم ذلك يلقى أبناؤه وبناته قمامتهم فى عرض الشارع وعلى الرصيف، بما فى ذلك الأماكن التى يجلسون فيها لتناول الطعام أو للفسحة أو انتظار الأتوبيس؟! وربطت بين الشىء الغامض غير المفهوم الذى يجعل كثيرين يتماهون مع منظومة القمامة، فلا تضايقهم أو تقلق مضاجعهم، أو تزكم أنوفهم، أو تتعارض مع هذا القدر البالغ من مظاهر التدين.
وكما هو متوقع، أرسل البعض، مستنكرا لهذا الربط، أسئلة عدة، دارت فى فلك واحد: «ما علاقة التدين بالقمامة؟» وأكرر من جهتى أن العلاقة وطيدة. فكيف لشخص بلغ أعلى درجات الرقى الأخلاقى والسمو السلوكى، ورغم ذلك يصر على إلقاء قمامة محله على بابه، أو يدخل المسجد ليصلى ولا يلفت انتباهه تل القمامة القابع على الباب، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وتدور أسئلة أخرى حول متلازمة مسؤولية الحكومة لا المواطن، وهذه إشكالية. فمن جهة، تقع على عاتق الحكومات عموما مسؤولية وضع اللوائح والتخطيط والتمويل وإنفاذ القوانين المتعلقة بإدارة النفايات، ويشمل ذلك جمع النفايات وتخزينها والتخلص منها، كما تعد الحكومات، بالتعاون مع الإعلام والمجتمع المدنى، الجهات المسؤولة عن التثقيف العام حول تقليل النفايات وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها، وبالطبع عدم إلقاء قمامة المحل على الرصيف، وكيس الفول والطعمية والحلوى وغيرها فى عرض الشارع، ومن جهة أخرى، يصعب على الحكومات تعيين ضابط أو عسكرى مهمته السير خلف كل مواطن للتأكد من أنه لم يلقِ قمامته أينما حل.
بقى بند ثالث من التعليقات التى لفتت انتباهى وهى علاقة تمت صناعتها بين الفقر والقمامة، وهى العلاقة التى أرفضها تماما. يقول البعض إن «البسطاء» هم الأكثر تخلصا من القمامة فى الأماكن العامة، وذلك لنقص الوعى وقلة الموارد المادية التى تمكن صاحب المحل البسيط من شراء سلة قمامة يضعها على باب المحل، مفضلا إلقاء مخلفاته على الرصيف بهدف التوفير، وغيرها من الأمثلة.
لكن ماذا عمن يقود سيارة ثمنها بضعة ملايين، ويفتح النافذة ليتخلص من عبوة مياه معدنية أو علبة سجائر مستوردة فى عرض الطريق؟ وماذا عن أطفال ومراهقين فى نوادٍ تضم «صفوة المجتمع» لا يتوانون عن إلقاء بقايا ما يأكلون على الأرض، بينما أحاديثهم تدور بإنجليزية متقنة تماما؟. وللحديث بقية.