استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا

استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا؟

المغرب اليوم -

استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

يأخذ بنيامين نتنياهو المنطقةَ نحو أخطار كبرى. يدفعها إلى أنفاق تنذر بحروبٍ لا نهاية لها في حال تمكّنه من تمرير مشروعه. يحاول استثمارَ الضربات التي وجهها جيشُه في الحروب الأخيرة لفرض وقائعَ جديدة داخل أراضي جيرانه. يحلم بإحاطة إسرائيل بدول ضعيفة أو مفككةٍ تنشغل بنزاعاتها الداخلية كي يتفرَّغَ هو لتمرير مخططات التهجير.

يتصرّف وكأنَّ لإسرائيلَ «الحقَّ» في استباحة الأجواء المجاورة لها وشنّ الغارات على «أخطار» قائمة أو يمكن أن تقوم مستقبلاً. يعتبر العالمَ غابة وأنَّ من حق القوي أن يفرضَ قانونه ويشطبَ حقوق الآخرين.

الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا أشدُّ خطورة من كلّ ما سبقها. ليس بسيطاً على الإطلاق أن تتذرّع إسرائيل بحماية مكوّنٍ سوري لتبرير استباحة الأجواء والأرض. واضح أنَّها تأمل في دفع سوريا إلى حرب مكونات تضعها على طريق تفكك دائم. وتفكك سوريا سيشكّل في حال حصوله مأساةً لسوريا وجيرانها. إنَّه مشروع نارٍ جوالة وعابرة للخرائط.

وفي هذا المناخ من حقّ لبنان أن يقلقَ والأمر نفسُه بالنسبة إلى العراق والأردن، وحتى بالنسبة إلى تركيا. وفي الأيام الأخيرة بدا الرئيس أحمد الشرع مقيماً بين جروحٍ عديدة وألغامٍ كثيرة من ذيول أحداث الساحل إلى الملف الدرزي وصولاً إلى المطالب الكردية.

فاجأني سياسيٌّ قديم الصلة بسوريا وعلاقاتها بجيرانها بالقول إنَّ «المسألة تتخطَّى محاولة زعزعة حكم أحمد الشرع. إنَّها تتعلّق بزعزعة سوريا نفسِها. أغلبُ الظن أنَّنا لن نشهد عودةَ سوريا التي كنَّا نعرفها. علينا عدم الاستهانة بكلام نتنياهو عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط خصوصاً في المنطقة المحيطة بإسرائيل. سلوك نتنياهو يوحي أنَّ مشروعه الفعلي هو تفكيكُ سوريا. وواضحٌ أنَّ ترمب أطلق يدَه مكتفياً بمطالبته بعدم الاصطدام بتركيا».

لفت المتحدث إلى ما اعتبره تطوراً خطراً على الصعيد الدولي. قال إنَّ موافقة إدارة دونالد ترمب على فوز فلاديمير بوتين - ليس بالقرم فقط بل أيضاً بخمس مساحة أوكرانيا - تشكل اعترافاً صارخاً بسقوط حصانةِ الحدود الدولية واعترافاً صريحاً بحق القوة الساحقة في التلاعب بحدود الخرائط.

هذه المسألة لا تعني أوروبا وحدَها. نتنياهو الذي يرفض وضعَ علامات نهائية لحدود بلاده سيكون في طليعة المستفيدين من سقوط حصانة الحدود الدولية. طمعُ إسرائيلَ في أراضي جيرانها قديمٌ لكن المقصود هو أنَّها قد تستفيد من نتائج الصراع الأوكراني. فإذا كانت روسيا ستغير خريطةَ أوكرانيا بسبب ادعاءات تاريخية وحسابات أمنية تتعلَّق بحلف «الناتو» فإنَّ إسرائيل لا تكفُّ عن استخدام الذرائع الأمنية لإقامة «أحزمة أمنية» داخل أراضي جيرانها.

لاحظ المتحدث أنَّ نتنياهو لم يكتفِ بمعاقبة بشار الأسد على انغماسه في البرنامج الإيراني و«محور الممانعة» بل ذهب أبعد في برنامج لإنهاك سوريا نفسِها وبهدف إصابتها بعطبٍ دائم يضمن وقوعَها في حالة من التفكك واضطراب العلاقة بين المكونات. لا يريد نتنياهو فقط منع قيام حكمٍ قوي في دمشق، بل يريد وضع الأسس لقيام سوريا ضعيفة ومنشغلة بجروحها وألغامها.

أطلق الرجلُ سلسلةً من الأسئلة؛ هل يمكن أن يتقبَّلَ الرأي العام العربي مثلاً القول إنَّنا بصدد هزيمة مدوية أخطر وبكثير من هزيمة 1967 حين قصمَ الجيش الإسرائيلي ظهرَ الجيوش العربية التي واجهها؟ هل يحتمل القول إنَّ أوضاع غزةَ عشية «طوفان الأقصى» كانت على رغم الحصار الإسرائيلي أفضلَ بكثير من وضعها الحالي الذي يمكن وصفه بالدمار الشامل للبشر والحجر؟ هل كنَّا نحتاج إلى تجربة جديدة للتأكد من وحشية الكيان الإسرائيلي وقدرته الواسعة على القتل؟ هل يحق للمراقب مثلاً أن يسأل لماذا لم ينفذ زعيم «حماس» يحيى السنوار عمليةَ لخطف جندي إسرائيلي أو ثلاثة ومبادلتهم بالسجناء الفلسطينيين وهو عاش هذه التجربة شخصياً؟ لماذا ذهب السنوار إلى عملية واسعة لا يمكن أن تردَّ إسرائيل عليها بأقل من حرب واسعة؟ هل كان «الطوفان» في النهاية جزءاً من ضربة أوسع يتقاسم الأدوار فيها حلفاء إيران ومن خرائط عدة؟ وهل هذا هو السبب الذي دفع «حزب الله» اللبناني والحوثيين إلى الانخراط في الحرب؟

لاحظ المتحدث أنَّ سوريا الأسدين تصرَّفت دائماً وكأنَّ التهديدات تأتي من الخارج. رفضت التعامل علانية مع مشكلات الداخل خصوصاً ما يتعلَّق بحقوق المكونات والعلاقات بينها. نظر الحكم السابق إلى أي تحرك يطالب بحقوق وكأنَّه عمل من صنع الخارج وأدرجه في باب التآمر الذي يستحق العقاب الشديد. وهكذا أوكلت العلاجات عملياً إلى جهاز الاستخبارات الذي عمّق المشكلات بدلاً من علاجها. هل كان الموضوع الكرديُّ ليتحول مشكلةً أمام عهد الرئيس أحمد الشرع لو عولج على قاعدة المواطنة والمساواة في عهد حافظ الأسد وبعده عهد نجله بشار؟ وهل كانت أحداث الساحل الأخيرة لتقعَ وبهذه القسوة لولا جروح الماضي وممارساته ولو كانت المكونات تلتقي طبيعياً في رحاب المؤسسات؟ وهل كانت إسرائيل تستطيع الاصطياد في ملف دروز سوريا لو كان القانون هو المظلة والحكم؟

تقيم أطرافٌ كثيرة عند مفترق خطر. هذا يصدق على غزةَ والقضيةِ الفلسطينية برمتها. يصدق على لبنانَ إذا لم يتمكن من بدء رحلة العودة في اتجاه دولة طبيعية تمتلك حكومتُها قرار الحرب والسلم. ويصدق أكثر على سوريا التي تبدو مجدداً في عين العاصفة الإسرائيلية.

الاعتداءات الإسرائيلية تتخطَّى عملية استنزاف الشرع أو ابتزازه. إنَّها تستهدف قصمَ ظهر سوريا ولعقود مقبلة. يحظَى الشرع حالياً باحتضان عربي ودعم تركي. أرسل أكثرَ من إشارة تقول إنَّه ليس في وارد الانخراط في نزاع مع إسرائيل. لكن لجم مشروع نتنياهو يحتاج إلى قرارٍ صارم من ترمب. ولهذا القرار ثمن لا بدَّ لسوريا الشرع من دفعه. وهو ثمن ليس بسيطاً على الإطلاق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا



GMT 17:44 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

الشهادة القاطعة

GMT 17:43 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

GMT 17:41 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

لا تطمئنوا كثيرًا..!

GMT 17:34 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إعادة قراءة لتواريخ بعيون فاحصة

GMT 17:32 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إيران دون عقوبات: تمكين الحلفاء بديل النووي

GMT 17:30 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

هل عاد زمن العطارين؟

GMT 17:29 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

كواليس «الفقى»!

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:41 2023 السبت ,22 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.5 درجة في اليونان

GMT 07:39 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغجر يحبُّون أيضًا" رواية جديدة لـ"الأعرج"

GMT 15:40 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيفية اختيار لون المناكير المناسب

GMT 23:58 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

ساني يهزم نيمار في سباق رجل جولة دوري أبطال أوروبا

GMT 19:43 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

البدواوي يكشف أن "حتا" شهدت إقبالاً كبيراً من السياح

GMT 14:00 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "إشبيلية" يرغب في التعاقد مع ماركوس يورينتي

GMT 00:51 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

التلفزيون الملون لم يدخل بيوت الآلاف في بريطانيا

GMT 00:29 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

صفية العمري تؤكّد أنها تبحث عن الأعمال الفنية الجيدة فقط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib