شهدت مصر مساء السبت افتتاح المتحف المصري الكبير في احتفالية عالمية حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد كبير من قادة وزعماء العالم، ليعلن بذلك تدشين أضخم متحف مخصص لحضارة واحدة في التاريخ الحديث، على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة، في مشهد يجسد تواصل الماضي العريق مع الحاضر المعاصر.
ويُعد المتحف المصري الكبير من أكبر المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين، إذ استغرق تشييده أكثر من 20 عاماً بتكلفة تجاوزت مليار دولار، ليضم نحو 100 ألف قطعة أثرية تغطي أكثر من سبعة آلاف عام من تاريخ مصر، من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني. ويطلّ المتحف بإطلالة بانورامية مباشرة على أهرامات الجيزة، في تصميم معماري يجمع بين العراقة والحداثة ويعكس رؤية مصر لدمج التراث بالتكنولوجيا.
وشارك في الافتتاح 79 وفداً رسمياً من مختلف دول العالم، بينهم 39 وفداً برئاسة ملوك ورؤساء دول وحكومات، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، مما يعكس المكانة العالمية لمصر وريادتها الحضارية والإنسانية. كما حضر الحفل عدد من الشخصيات العامة والفنانين، بينهم علاء وجمال مبارك، بدعوة رسمية.
وفي كلمته خلال الافتتاح، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن المتحف المصري الكبير هو "هدية مصر للعالم"، مشدداً على أن المشروع يمثل فخراً وطنياً وإنجازاً حضارياً غير مسبوق. فيما أشار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى أن العمل في المشروع بدأ منذ نحو 30 عاماً وتوقف خلال أحداث 2011، ثم استؤنف بتوجيه من الرئيس السيسي عام 2014، ليُنجز في وقت قياسي لا يتجاوز سبع سنوات من العمل الفعلي.
ووصف رئيس الوزراء المتحف بأنه مركز عالمي للثقافة والتعليم والبحث العلمي، وواجهة حضارية تعكس مكانة مصر على الخريطة السياحية والثقافية الدولية، موضحاً أن الحكومة تعوّل على المتحف ليكون من أهم عوامل تنشيط قطاع السياحة، حيث من المتوقع أن يجذب نحو 5 ملايين زائر سنوياً.
ويضم المتحف المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد منذ اكتشافها عام 1922، إضافة إلى “مركب الملك خوفو” أو “مركب الشمس” الذي جرى نقله بعناية فائقة من موقعه الأصلي بجوار الهرم الأكبر. كما يحتوي على “الدرج العظيم” الذي تصطف على جانبيه تماثيل ضخمة لملوك مصر القديمة بارتفاع يصل إلى ستة طوابق.
وأكد المؤرخ المصري الدكتور بسام الشماع أن المتحف المصري الكبير يمثل "ثورة في علم المتاحف"، مشيراً إلى أن تصميم العرض يعتمد على علم “الميوزيولوجي” الحديث الذي يجعل الزيارة تجربة معرفية وإنسانية متكاملة، حيث تم استخدام الإضاءة الطبيعية والظلال لإبراز تفاصيل القطع الأثرية دون الإضرار بها. كما أوضح أن المتحف يضم قسماً خاصاً للأطفال يتيح لهم التعلم عبر التجربة التفاعلية، ما يجعله وجهة عائلية متكاملة.
من جهتها، أعلنت منصة “تيك توك” العالمية بث فعاليات الافتتاح مباشرة بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية، في خطوة هدفت إلى نقل هذا الحدث الفريد إلى ملايين المشاهدين حول العالم. كما أضاءت الواجهة الضخمة للمتحف على مدى الأيام الماضية استعداداً للحفل الذي استمر ساعة ونصفاً وتخلله عرض موسيقي ضخم بعنوان “رسالة للسلام” بمشاركة 121 فناناً من مصر و70 دولة أخرى.
وبمناسبة الافتتاح، أصدرت مصلحة سكّ العملة المصرية مجموعة من العملات التذكارية الذهبية والفضية تحمل تصميماً يجمع بين شعار المتحف وصورة تمثال رمسيس الثاني، فيما أعلنت الحكومة يوم الافتتاح عطلة رسمية احتفاءً بهذا الحدث التاريخي.
وأكد رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا”، أكيهيكو تاناكا، أن المتحف يمثل “كنزاً للبشرية”، مشيراً إلى أن اليابان قدمت تمويلاً قدره 800 مليون دولار دعماً لإنشائه وتدريب الكوادر المصرية العاملة فيه، إلى جانب التعاون في مشروع مترو يربط المتحف بمناطق الجيزة والقاهرة لتسهيل الوصول إليه.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى يضم آثاراً فرعونية، بل رسالة حضارية من مصر إلى العالم تعكس احترامها لتاريخها وإصرارها على صون إرث الإنسانية جمعاء. فبإطلالته المهيبة على أهرامات الجيزة، يجسد المتحف جسراً بين عبقرية المصري القديم وروح مصر الحديثة، ويؤكد أن الحضارة المصرية ما زالت تنبض بالحياة وتروي قصتها الخالدة لكل الأجيال.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
الرئيس السيسي يلتقي رئيسة وزراء إيطاليا ويؤكد أهمية تعزيز التعاون الثنائي ودعم جهود وقف إطلاق النار في غزة
انطلاق حفل افتتاح المتحف المصري الكبير بحضور السيسي و79 وفداً دولياً
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر