المرسوم بانتخاب مجلس وطني جديدخطوة للوراء، خطوتان للوراء أيضاً

المرسوم بانتخاب مجلس وطني جديد...خطوة للوراء، خطوتان للوراء أيضاً

المغرب اليوم -

المرسوم بانتخاب مجلس وطني جديدخطوة للوراء، خطوتان للوراء أيضاً

عريب الرنتاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

كان يمكن لخبر إجراء انتخابات عامة، لإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، أن يهبط برداً وسلاماً على قلوب الفلسطينيين التوّاقين، لإعادة بناء وتفعيل "وطنهم المعنوي"، منظمة التحرير الفلسطينية، وهم الذين لطالما طالبوا باعتماد طرق ديمقراطية، لتشكيل مؤسساتهم التمثيلية، بعيداً عن منطق التعيين و"الزبائنية"، و"الكوتات" الفصائلية، المصممة لغرض في نفس يعقوب.

لكن المرسوم الرئاسي المفاجئ، الذي قضى بإجرائها قبل نهاية العام، وقع على الفلسطينيين وقع الصدمة، وإثار من الشكوك والتساؤلات، أكثر بكثير مما أثاره من مشاعر التفاؤل والارتياح، رفضته جميع الفصائل الأساسية في المنظمة وخارجها، ولم تصفق له سوى "فصائل الكسور العشرية" التي لم تعد لها من وظيفة خارج إطار لعبة "المبايعة" و"التصفيق" لكل ما يصدر عن "القيادة المتنفذة في السلطة والمنظمة من مواقف ومراسيم... كما أثار المرسوم موجة من الرفض والاستياء في أوساط شخصيات وهيئات ومؤسسات وطنية وازنة، فبدا كما لو جاء قفزةً في المجهول، تخفي وراءها ما تخفي، وتحمّل في طيّاتها، أسوأ "السيناريوهات" وأشدّها خطورة.

فالمرسوم جاء في ذروة حرب الإبادة والتطهير التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة (وبدرجة أقل في الضفة)، دون أن يكلف من أصدره، نفسه عناء الإجابة على سؤال: كيف يمكن إجراء انتخابات في القطاع المدمر، و"بأي عين" يمكنن أن نطلب من "المعذبين، المجوّعين، والمروعين في وطنهم" ، أن يخرجوا من عراء نزوحهم إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وهل ثمة فسحة في غزة، لإقامة مثل هذه المراكز أصلاً... المرسوم يعكس خللاً واختلالاً في "فقه الأولويات" عند من أصدره، وهل ثمة أولوية تعلو على وقف المذبحة، وملء الأمعاء الخاوية لأزيد من مليوني فلسطيني في القطاع؟

والمرسوم، لم يقل لنا، كيف وأين يمكن إجراء هذه الانتخابات، وهل قامت الجهات ذات الصلة بترجمته، بإجراء ما يلزم من اتصالات مع الحكومات والدول التي يتوزع عليها سبعة ملايين لاجئ عن وطنه، هل جرى إعداد كشوف بـ"الهيئات الناخبة" على أقل تقدير، لنعرف من هو الفلسطيني، ومن هو صاحب الحق بالاقتراع، لنشتق بعد ذلك معادلاتنا حول "نسب الاقتراع" ومستوى المشاركة في استحقاق لم يعرف الفلسطينيون مثيلاً له منذ قيام منظمتهم قبل أزيد من ستين عاماً.

والمرسوم لم يخبرنا كيف سيجري التعامل مع تحدي رفض إسرائيلي مؤكد لإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، وهو التحدي الذي اتُّخذ كذريعة لتعطيل انتخابات عامة، تشريعية ورئاسية، كانت على مرمى حجر، حيث تشكلت القوائم والتحالفات، وبلغت الاستعدادات ذروتها لفعل ذلك، قبل أن يصدر مرسوم رئاسي آخر، بتعطيلها، بذريعة "رفض التخلي عن القدس ومشاركة أهلها في الاستحقاق"...ما الذي تغير اليوم، أو بالأحرى، ما الذي سيتغير غداً، حين تعلن تل أبيب بصورة وقحة، رفض إجراء الانتخابات في "العاصمة الأبدية الموحدة" للكيان؟

والمرسوم القنبلة، يطرح أسئلة من نوع: لماذا البدء بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، ألم يكن من الأجدى والأجدر التجديد لمؤسسات السلطة، من الرئاسة المنتهية ولايتها منذ ستة عشر عاماً، إلى المجلس التشريعي "المغدور"، والمنتهية ولايته أيضاَ منذ خمسة عشر عاماً، دع عنك عشرات المنظمات الشعبية، التي لم يعد لها من دور يذكر في الحسابات الفلسطينية، بعد أن جرى السطو عليها، وتجريفها وتجويفها، وهي التي ملأت الأرض والفضاء في أزمنة أخرى؟

يعرف مصدرو المرسوم مثلما نعرف، ويعرف كل فلسطيني، أن فكرة "انتخاب" المجلس الوطني، ستؤول إلى "بازار" مفتوح من التعيينات بالجملة والمفرق، وفقاً لقواعد ومعايير صارمة، تبدأ بمعايير الولاء الشخصي والفصائلي، وانتهاءً بإعادة تشكيل المنظمة، وفقاً لمعايير أوسلو وما بعد أسلو، بحيث تفقد المنظمة، صفتها التمثيلية كوعاء حاضن للتعددية الفكرية والسياسية والاجتماعية الفلسطينية، وتنتهي إلى امتداد "شرعي" لفريق متنفذ، يُراد له أن يمضي في التكيّف مع "مخرجات الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، لا أكثر ولا أقل.

هي طعنة نجلاء، يُراد تسديدها في ظهر "الممثل الشرعي الوحيد"، بإخراج كل من يعارض أو يقاوم "أوسلو" في أكثر طبعاته تهافتاً وابتذالاً، تلك التي تنتظر الفلسطينيين، وتشفّ عن بعض من ملامحها، خطط أعدائه ومشاريعهم لمستقبلٍ لا مطرح فيه لحرية ولا للاستقلال، ولا "مكان تحت الشمس" لدولة الفلسطينيين على ترابهم الوطني، دع عنك حكاية العاصمة وحق العودة، وفكرة السيادة وأوهام الازدهار.

يعرف مصدرو المرسوم الرئاسي، ما ينتظرهم من مشاريع وتحديات، وهم يستعدون منذ اليوم، للتكيف معها، فليس في قاموس هؤلاء مفردات من نوع: صمود، ثبات، مقاومة...يعرفون أن أحداً يمتلك الحد الأدنى من قيم ومبادئ تأسست عليها الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، لن يقبل باستخدام "خاتم" المنظمة، للتصديق عل ما ينتظرها من تسويات وصفقات...لذا نراهم يغذّون الخطى، لإعادة تشكيل المنظمة، بإخراج كل من خرج عن "أوسلو"، أو استقى العِبر من دروس الفشل المتكرر لهذا المسار، وقرر العودة لأبجديات التحرر الوطني...يريدونها منظمة على مقاسات ترامب وويتكوف، والأهم على المقاسات الإسرائيلية، الأكثر ابتذالاً.

الأصل في الانتخابات، أنها تجري لغرض إعادة تجديد وتشبيب مؤسسات الحكم والسلطة (المنظمة في حالتنا هذه)، الأصل أنها مصممة لإعادة انتاج "الشرعية الفلسطينية" ... ومن أجل ذلك، ولبلوغ هذه الأهداف، يتعين أن تتم بالتوافق، وكنتيجة لحوار وطني جاد ومسؤول، وليس من الطراز "الفولكلوري"، المألوف فلسطينياً، وبالنظر لغياب هذين الشرطين، ظنّ كثيرون، ونحن منهم، أنها ستكون، إن تمت أو استبدلت بالتعيين، معوّل هدم لما تبقى من جدران الوحدة الوطنية، وأسفين يعمق الشرخ الفلسطيني بدل أن يدمله.

لسنا على يقين من أن المرسوم سيشق طريقه حتى نهاياتها، فهو اتخذ في ليل بهيم، وبمعزل عن التشاور حتى مع قيادات فتح والسلطة، عمل متفرد قامت به "ترويكا" أو "رباعية" القرار الفلسطيني...تذكرنا بمرسوم آخر، اتخذ بالطريقة ذاتها، وانتهى إلى تعميق الشروخ وإثارة المزيد من الانقسامات، وأعني به ذاك المتعلق بنزع "سلاح المخيمات" في لبنان...فالرئيس ذهب إلى بيروت بهدف تسهيل هذه المهمة على الدولة والجيش، بيد أنه لم يستشر أحداً من الفصائل والقوى (وقوى الأمر الواقع)، ولا حتى قادة فتح وجنرالاتها وسفيرها في بيروت ... عاد الرئيس من رحلة وصفت بـ"التاريخية" وبقي السلاح على حاله، مخلفاً وراءه مزيداً من الانقسامات والشروخ، لا بين فتح وحماس فحسب، بل وفي داخل فتح ذاتها، وبقية القصة معروفة، وما زالت تتوالى فصولاً في إثر التنقلات والعقوبات والإحالات على التقاعد، التي جرت وتجري، لتمرير قرار منفرد، محاط بكثير من الخفة والنوايا غير الحسنة.

في تفسير "المرسومين" القنبلتين، ثمة من يتحدث عن حالة "انفصال" عن الواقع، تعيشها "نخبة القرار" في رام الله، التي ما زالت تتصرف كما لو أنها ما زالت ممسكة بخيوط اللعبة، مع أنها الغائب الأكبر عن المشهد الفلسطيني، منذ السابع من أكتوبر على أقل تقدير .... لكن في ظني أن تفسيراً كهذا يبدو مختزلاً، ولا يجمع الصورة من مختلف أطرافها وزواياها ... في ظني أن تفجير قنبلة بيروت، إنما كان عملاً مدروساً ومنسقاً مع أطراف عربية ودولية، ليست إسرائيل بعيدة أبداً عنها، والهدف "إحراج المقاومة وإخراجها" من حواضنها، امتداداً لنهج يستعديها في غزة، ويقاتلها في الضفة ... لم يكن الهدف إلقاء الكرة في ملعبي حماس والجهاد ومن تحالف معهما من فصائل مقاومة، بل إلقاء قنبلة في حضنيهما، عل أمل أن تصيبه شظاياها بتمزقات قاتلة، لا شفاء منها...وربما نذهب أبعد ذلك، للقول، أن "مرسوم سلاح المخيمات"، إنما مثّل حلقة في مسلسل الجهود والضغوط التي يقودها توم بارّاك، لنزع سلاح حزب الله، وتجريده من آخر عناصر قوته واقتداره.

أما المرسوم الأخير، الانتخابات، فيستبطن الهدف ذاته: إحراج المقاومة وإخراجها من منظمة التحرير قبل أن تدخلها، بوصفها خطوة على طريق "نزع الشرعية" عنها، بالضدّ من مختلف النداءات والمطالبات التي انطلقت مع انطلاقة "طوفان الأقصى" والتي دعت إلى توفير "شبكة أمان" للمقاومة، من خلال إدماجها بمنظمة التحرير والذهاب إلى حكومة وفاق وطني، تنطق باسم الكل الفلسطيني وتمثله.

المرسومان يندرجان في سياقات "حرب التطويق" متعددة الأطراف والجبهات، التي تتعرض لها قوى المقاومة الفلسطينية، وتتجلى أكثر فصولهاً بشاعة في حرب السنتين في غزة، ومسلسل الاغتيالات، وعمليات الشيطنة، وتجفيف البيئات الشعبية والحزبية الحاضنة لها ... إنهما باختصار، فصل من فصول العدوان عليها، وليس فيهما ما يشفّ عن رغبة أو إرادة، بترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة جمع الصفوف ولملمتها، ظاهرهما لا يخفي باطنهما، لا رحمة تُرتجى منهما بل عذاب مقيم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرسوم بانتخاب مجلس وطني جديدخطوة للوراء، خطوتان للوراء أيضاً المرسوم بانتخاب مجلس وطني جديدخطوة للوراء، خطوتان للوراء أيضاً



GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:51 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

الدولة والحزب في أصعب الأيام

GMT 15:49 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مُحيي إسماعيل والتكريم «البايخ»!

GMT 15:47 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لبنان بين مأزق السلاح والتسوية مع سوريا

GMT 15:45 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مشروع الرفاهية والاستقرار

GMT 15:43 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لماذا يقبل الناس على الإعلام الموازى؟!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:23 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله
المغرب اليوم - عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله

GMT 09:34 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

الرجاء يخاطب منخرطيه قبل الجمع العام

GMT 05:15 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"قميص الدنيم" لإطلالة أنيقة ومريحة في آن واحد

GMT 07:07 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ناصر بوريطة يناقش قضايا متعددة مع وزيرة خارجية السويد

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:46 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

اعتقال رجل يقود سيارته برفقة زوجته "المتوفاة"

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وجهات مشمسة لقضاء عطلة صيفية في قلب الشتاء

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 11:48 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

لن أستحيي أن أضرب مثلا في حبكم .. عجزي ….

GMT 20:50 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ماركة "LIODADO" التركية تصدر ملابس سبور رائعة

GMT 17:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الاختلاف والتميز عنوان ديكور منزل الممثل جون هام

GMT 10:39 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مهبطا المهرجان في الصحراء والمائي من أغرب مطارات العالم

GMT 19:35 2022 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

سعر نفط برنت يتخطى 84 دولارا للبرميل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib