اليرموك هنا يرقد المخيم الشهيد

اليرموك... هنا يرقد المخيم الشهيد

المغرب اليوم -

اليرموك هنا يرقد المخيم الشهيد

عريب الرنتاوي


الفلسطينيون لا يتعلمون من أخطائهم، حتى حين تكون كلفة هذه الأخطاء باهظة للغاية ... مخيم اليرموك، يدفع اليوم الأثمان الدامية لإخفاق قيادات الفصائل في استيعاب دروس الماضي القريب والبعيد ... يكررون المآسي ذاتها، وبذات الدرجة من الحماسة، ومن دون أن يرفّ لأي منهم جفن أو يبارحه النعاس.
فشلت سياسة “النأي بالنفس”، لأنها لم تجد حواضن لها ... لأنها لم تجد من يسهر عليها ويجعل منها موضوع إجماع أو توافق وطني فلسطيني عريض ... منذ البدء، كان هناك من امتشق السلاح للقتال إلى جانب النظام، ساخراً من دعوات “النأي بالنفس” مُستصغراً لها وللمنادين بها، أمام معركة الحياة والموت التي يخوضها محور “المقاومة والممانعة”(؟!).
ومنذ البدء أيضاً، أو على مقربة منه، كان هناك من يتمنطق بالأحزمة الناسفة ويحفر الخنادق ويتسلح من الرأس حتى أخمص القدمين، انتصارا “لخيار الشعب السوري” ودعماً لمعارضاته المختلفة، بمن فيها تلك الأصولية المتشددة، التي انقلبت عليه وعلى المخيم وأذاقت أهله كأس المرارة والعذاب.
فصائل محسوبة على النظام، هكذا كان دأبها تاريخياً، بل ولعله مبرر وجودها وديمومتها ... وأخرى، محسوبة على “العمل الإسلامي” الفلسطيني، الذي انضم إلى جوقة أنقرة – قطر في عد الأيام الأخيرة للنظام، وحرق سفنه مع دمشق، قبل أن يقرر حرق المخيم انتصاراً لخياراته السياسية، فإذا بالنتيجة، وبالاً على الشعب الفلسطيني، ونكبة رابعة تهون معها نكبة الفلسطينيين في الكويت، الذي دفعوا غالياً ثمن الانحيازات الفلسطينية في حروب المحاور والمعسكرات العربية المتناحرة.
لم يبق من مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، الشيء الكثير ... أكثر من 90 بالمائة من سكانه هاموا على وجوههم في شتى أصقاع الأرض، توزعوا على مخيمات لبنان وسوريا، وبعضهم انتقل إلى معازل آمنة على الحدود مع الأردن، وكثرة منهم يممت وجوهها شطر العواصم البعيدة في الشرق والغرب ... ألوف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمصابين والمفقودين والمعتقلين، أسر تفككت وعائلات تهيم على غير هدى.
أكثر من 170 ألف فلسطيني لم يبق منهم سوى أقل بكثير من عشرين ألفاً، يجري العمل على إخراجهم زرافات ووحدانا، تحت جنح ليل بهيم عبر مسالك وممرات غير آمنة إما باتجاه الزاهرة أو بيت سحم ... المخيم الذي تحوّل إلى كومة خرائب، يعيش منذ أسبوع أو اقل قليلاً، النزع الأخير لافظاً آخر أنفاسه.
داعش” تجتاح المخيم، وتعيث فيه قتلاً وتقطيعاً للرؤوس وتفخيخا، بتواطؤ مع “النصرة” ... أما “أكناف بيت المقدس” المنبثقة من رحم حماس، فهي تقطف اليوم، ثمن المواقف المقامرة التي صدرت عن الحركة الأم بالأمس ... خياراتها محدودة، من بيعة للبغدادي إلى لجوء إلى أحمد جبريل ... أما السلطة والمنظمة فهي تتحرك في أحسن حالاتها، كمنظمة إغاثة، تجلي المنكوبين وتقدم صناديق الغذاء والماء والدواء.
بالكاد بتنا نتعرف على المخيم المنكوب من الصور المبثوثة منه وعنه، نحن الذين عرفناه حجراً حجراً وزقاقاً زقاقا، وأقمنا بين جنباته ردحاً من الوقت، أكلنا وشربنا وتظاهرنا وشيّعنا الشهداء وألقينا المحاضرات ... المخيم الشهيد، ينضم إلى قائمة طويلة من المخيمات المنكوبة، من تل الزعتر إلى نهر البارد مروراً بصبرا وشاتيلا... هذه المرة، تبدو الأكثر فداحة ودموية ومأساوية.
يزداد الطين بلّة، حين نستذكر أن مأساة اليرموك لم تكن قدراً لا راد له، كما هو الحال في المخيمات الأخرى المنكوبة ... هذه المرة، النكبة هي صنع أيدينا إلى حد كبير ... الذين انحازوا للنظام وأشهروا سيوفهم معهم مسؤولون عن النكبة ... والذين انحازوا للمعارضة وأشهروا سيوفهم معها، مسؤولون عن النكبة ... والذين اقتصر دورهم على “رفع العتب” ومهام الوساطة المتباعدة والمساعي الحميدة لرأب الصدع، مسؤولون عن النكبة... دم المخيم وأبنائه وبناته في أعناق هؤلاء جميعاً ... فاليرموك استحق منذ أشهر بل وسنوات، غرفة عمليات وحالة طوارئ وخلية أزمة ... اليرموك كان بحاجة لحراك سياسي ودبلوماسي مستدام وموحد وعلى أرفع مستوى، لا إلى وفود نختلف عن رئاستها، وموفدين يتنافسون حول أي منهم حظي باستقبال أكثر رفعة في دمشق؟! ... لكن الذين امتهنوا الانقسام على كل شيء، ما كان لهم أن يتوحدوا خلف المخيم ومن أجله ... من قال إن هؤلاء يكترثون؟ ... من قال إن محنة المخيم قد مسّتهم بسوء أو غيرت جداول أعمالهم ومواعيد وجباتهم؟!.
المخيم الشهيد، يلفظ أنفاسه الأخيرة ... جاءه من لا يرحم ولم تعرف الإنسانية يوماً طريقها إلى عقله وقلبه وضميره ... المخيم الشهيد بات في قبضة داعش، ليس مهماً بنسبة 90 بالمائة أو 70 بالمائة حيث يدور الخلاف حالياً ... أما تحريره من الغرباء الذين لا يشربون القهوة، فسوف يفضي إلى الإجهاز على ما تبقى فيه من حجر، أما البشر فقد انضموا إلى القوائم الطويلة التي اشتهر بها الفلسطينيون: قوائم الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين ... هنا يرقد مخيم اليرموك، رحم الله المخيم وأبناءه وبناته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليرموك هنا يرقد المخيم الشهيد اليرموك هنا يرقد المخيم الشهيد



GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:51 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

الدولة والحزب في أصعب الأيام

GMT 15:49 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مُحيي إسماعيل والتكريم «البايخ»!

GMT 15:47 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لبنان بين مأزق السلاح والتسوية مع سوريا

GMT 15:45 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مشروع الرفاهية والاستقرار

GMT 15:43 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لماذا يقبل الناس على الإعلام الموازى؟!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:23 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله
المغرب اليوم - عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله

GMT 09:34 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

الرجاء يخاطب منخرطيه قبل الجمع العام

GMT 05:15 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"قميص الدنيم" لإطلالة أنيقة ومريحة في آن واحد

GMT 07:07 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ناصر بوريطة يناقش قضايا متعددة مع وزيرة خارجية السويد

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:46 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

اعتقال رجل يقود سيارته برفقة زوجته "المتوفاة"

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وجهات مشمسة لقضاء عطلة صيفية في قلب الشتاء

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib