التقسيم تحت ظلال الحرب

التقسيم تحت ظلال الحرب

المغرب اليوم -

التقسيم تحت ظلال الحرب

عريب الرنتاوي


طبول الحرب تقرع بقوة في اليمين وعليه ... تصريحات وزير الخارجية السعودية أوحت باحتمال اللجوء إلى خيار القوة دعماً للرئيس عبد ربه منصور هادي و”الشرعية”، واستجابة لنداءات استغاثته ... والباب مفتوح أمام “تورط” سعودي في اليمن، يشبه في بعض جوانبه، “التورط” المصري في اليمن، زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مع الفارق في الزمان والسياق والأهداف والتحالفات ... وليس مستبعداً أبداً أن تكون نتائج التورط الثاني في حال حصوله، شبيهة بنتائج التورط الأول، والذي أفضى فقط إلى استنزاف الجيش المصري وتشتيت قواه، ما مهد للهزيمة النكراء في حزيران الأسود وتسبب بها.
الحوثيون لا يبدون فزعين من التهديدات السعودية، بل لكأنهم يستعجلونها ... والأرجح أن مصدر طمأنينتهم عائد لمعرفتهم الوثيقة بحساسية اليمنيين حيال “التدخل الخارجي” خاصة حين يأخذ شكلاً عسكرياً، وبالذات من قبل بعض جوار اليمن، حيث التاريخ القريب وليس البعيد، حافل بالحساسيات والذكريات والمشاحنات التي ما أن يُنفض عنها الغبار، حتى تنفجر كالبركان في وجه الجميع.
لكن حساسية اليمنيين حيال “الخارج” ليست وحدها السبب في طمأنينة الحوثيين، فلديهم جملة من الأسباب الأخرى، من بينها أنه سبق لهم أن قاتلوا السعودية، زمن الحرب السادسة على صعدة التي شنها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، عدو الحوثيين بالأمس وصديقهم اليوم، الحوثيون يقدمون معاركهم مع السعودية بوصفها انتصاراً لهم، والسعودية ترد هازئة، والمراقبون يتحدثون عن “التعادل”، والتعادل هنا يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار فارق القوة والتسليح والتدريب والتجهيز، خاصة في تلك الأزمنة، التي سبقت خروج المارد الحوثي من قمقمه.
والحوثيون مطمئنون إلى قدرتهم على استنزاف أية جيوش غازية أو أجنبية، حتى وإن كانت شقيقة ... واثقون من طاقتهم على الصبر والتحمل وطول النفس، فيما لا تتوافر مثل هذه الخصال لخصومهم، الذين تتحكم بهم حسابات أخرى، تجعلهم يخشون حرب استنزاف طويلة الأمد، قد تنكأ جراحات يمنية وسعودية، وقد تعيد طرح خرائط البلدين للبحث من جديد، فنحن نعرف أن خطوط الحدود بين الدول والكيانات العربية، بما فيها تلك التي لم يرسمها سايكس وبيكو، مفبركة ومصطنعة وغير نهائية، مهما بلغت سماكة الجدران التي بنيت على امتدادها، ومهما اتسع حجم الأختام الرسمية والتوقيعات التي زُيّنت بها اتفاقات ترسيم الحدود.
والحوثيون مطمئنون إلى حليف لم يبخل على حلفائه بالمال ولا السلاح ولا العدة والعتاد، والرجال إن اقتضى الأمر، وقد أتبع القول بالفعل في كل من سوريا والعراق، ومن قبل في لبنان ... فيما حلفاء المعسكر الآخر، لا سلاح لديهم سوى المال و”السلفية الجهادية” والدعم السياسي والإعلامي عن بعد ... فكيف إذا كان هذا الحليف على أعتاب التوقيع على “صفقة القرن” مع الغرب والشرق... حوثيو اليوم، ليسوا كحوثيي الأمس، هم أكثر قوة وتنظيماً، وأشد بأساً وأفضل تسليحاً، هم الحكام الفعليون لأكثر من نصف اليمن، وهم أقوى لاعب منفرد على الساحة اليمنية، شئنا أم أبينا، رغبنا في ذلك أم كرهنا.
“الحوثيون على أبواب باب المندب”، هكذا تصيح الصحف ووسائل الإعلام المُدارة من قبل الحلف المناهض للحوثيين، في مسعى لاستثارة قلق المجتمع الدولي ومصر وإسرائيل والدول المشاطئة للبحر الأحمر ... لكن يبدو أنها ظلت صيحات في واد سحيق، فكما أن باب المندب في يد الحوثيين، واستتباعاً في يد إيران، فإن مضيق هرمز من قبل، يقع في قلب الجغرافيا الإيرانية، وليس على مبعدة مئات الكيلومترات منها، ومع ذلك ظل مفتوحاً للنفط والتجارة الدولية والسفن والأساطيل ... لم نر ردة فعل قلقة من المستهدفين بهذه الصيحات، بل رأينا عكسها .... رأينا قادة كبار في الكونغرس يعبرون عن الخشية من ضعف المعلومات والأذرع الاستخبارية الأمريكية في اليمن بعد سحب القوات الأمريكية منها، ولكن في مواجهة القاعدة و”داعش” والإرهاب، وليس في مواجهة الحوثيين أو حلفائهم الإقليميين.
كلما قرعت طبول الحرب وارتفعت أصواتها، كلما زادت احتمالات تقسيم اليمن ... والأرجح أن نتاج هذه الجولة من الصراع في اليمن والصراع عليه، لن تفضي إلى تدخل عسكري عربي أو دولي غير واقعي وغير مرغوب وغير ممكن، داعم لـ “شرعية” هادي في جنوب اليمن، بل إلى التسليم بأن شمال البلاد، قد خضع للحوثيين وحلفائهم، ولإيران من ورائهم ... وأحسب أن أصواتاً خليجية وسعودية بالذات، باتت تتحدث بوضوح عن هذا السيناريو وترجحه وتفضله، بل وباتت تتوسع في الحديث عن مزايا الجنوب وأهله، قياساً بالشمال وقبائله وحوثييه.
لكن التقسيم في الحالة اليمنية بين شمال وجنوب، لن يكون نهاية الأزمة اليمنية، فاليمن إما أن يكون موحداً (فيديرالياً، لا مركزياً ليس مهماً)، وإما أن يكون أكثر من يمنيين... ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة “يمنات”... والجنوب لن يستقر لهادي و”شرعيته” المطعون فيها، فسوف تنازعه عليه، قوى الحراك الجنوبي ذات المشروع المحدد، و”السلفية الجهادية” التي تتمدد كالنبت الشيطاني في محافظاته، وربما قد يظل عرضة لهجمات من خارجه على ما نرى هذه الأيام على تخوم بعض محافظاته.
أما الشمال، فسيخضع من جديد لعمليات فك وتركيب، فالزحف الحوثي مقلق لكثير من أهل الشمال وليس لأهل الجنوب وحدها، وتعز ترى في نفسها ما يؤهلها كعدن، لأن تكون عاصمة ليمن إضافي، والحلف غير المقدس بين صالح والحوثي لن يستمر طويلاً، وسنرى القوم يدخلون في معارك على السلطة والنفوذ، لا نعرف متى تبدأ ولا كيف ستنتهي أو أين.
خلاصة القول: إن من السهل قرع طبول الحرب في اليمن وعليه، لكن من الصعب الدخول في مقامرة “التورط” عسكرياً فيه، والأصعب من هذا وذاك، هو ضمان الخروج المشرّف من هذه الحرب ... والأرجح أن يصار إلى تقسيم اليمن إلى يمنيين مبدئياً تحت ستار كثيف من غبار الحرب وأدخنتها، بدل مقارفة نوع من “المجازفات غير المحسوبة” ... هل تذكرون؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقسيم تحت ظلال الحرب التقسيم تحت ظلال الحرب



GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:51 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

الدولة والحزب في أصعب الأيام

GMT 15:49 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مُحيي إسماعيل والتكريم «البايخ»!

GMT 15:47 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لبنان بين مأزق السلاح والتسوية مع سوريا

GMT 15:45 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مشروع الرفاهية والاستقرار

GMT 15:43 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لماذا يقبل الناس على الإعلام الموازى؟!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:23 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله
المغرب اليوم - عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله

GMT 09:34 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

الرجاء يخاطب منخرطيه قبل الجمع العام

GMT 05:15 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"قميص الدنيم" لإطلالة أنيقة ومريحة في آن واحد

GMT 07:07 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ناصر بوريطة يناقش قضايا متعددة مع وزيرة خارجية السويد

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:46 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

اعتقال رجل يقود سيارته برفقة زوجته "المتوفاة"

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وجهات مشمسة لقضاء عطلة صيفية في قلب الشتاء

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib