بقلم : سليمان جودة
من كثرة الكلام عما قامت به الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل، ساد اعتقاد لدى كثيرين بأنها كانت فريدة فيما قدمته للبلد، وأن أحدًا سواها لم يقدم شيئًا فى أعمال التطوع الاجتماعية الكبيرة، بينما الحقيقة أن مصر امتلأت بنماذج مماثلة أو شبيهة بالأميرة الشهيرة فى مرحلة ما قبل 1952.
وقد تكفل الدكتور عبد المنعم الجميعى بتقديم صورة مختلفة للقارئ عن الموضوع، فأصدر كتابه الجديد «أمراء وأميرات الثقافة والتعليم والفن فى مصر». الكتاب صادر عن مكتبة التاريخ التى يتولاها الأستاذ أشرف مروان، والتى توفر لقارئها ما تراه جديدًا فى تاريخ المحروسة والعالم يومًا بعد يوم.
بالطبع قدمت الأميرة فاطمة لجامعة القاهرة عند نشأتها ما لم يقدمه غيرها، ولولا هذه الأميرة ما كانت الجامعة قد رأت النور، ويكفى أن نعرف أنها لم تمنحها أرضًا فى مقرها الحالى وفقط، ولكنها قدمت لها تبرعًا سخيًا من المال، وباعت بعضًا من مصاغها من أجل أن يكتمل مشروع الجامعة، ثم أوقفت مساحة من الأرض تصل إلى 600 فدان للإنفاق على الجامعة الوليدة.
نقرأ فى تلك الأيام أن الأمير أحمد فؤاد الذى صار الملك فؤاد، قد ترأس لجنة إنشاء الجامعة، وأنه سافر إلى أوروبا يشترى ما تحتاجه من أجهزة وأدوات، وأنه قد راح يدعو الأساتذة الأوربيين إلى التدريس بها. كان ذلك قبل عام 1908 الذى شهد افتتاح الجامعة، وكان اسمها الجامعة المصرية فى البداية، ثم صارت جامعة الملك فؤاد، ثم جامعة القاهرة فى مرحلة ثالثة.
ونقرأ أن الأميرة نازلى فاضل أطلقت صالونًا أدبيًا كان هو الأشهر والأهم فى زمانه، وكان من بين رواده سعد باشا زغلول، وقاسم أمين، وإبراهيم الهلباوى أول نقيب للمحامين، وكان صالونها وكأنه مدرسة لتخريج قادة الرأى والفكر والسياسة.
ونقرأ أن الأمير محمد على توفيق، ابن الخديو توفيق، جلب إلى قصره فى المنيل كل ما هو نادر من الزهور والأشجار، وأسس فيه مكتبة نادرة أيضًا، ثم جلس فكتب وصية بأن يتحول المتحف من بعده إلى متحف مفتوح لكل المصريين، فكأنه أراده مدرسة من نوع مختلف للارتقاء بالذوق والحس والشعور.
ونقرأ ما يشبه هذا كله عن الأمير يوسف كمال، والأمير عمر طوسون، والأمير عباس حليم، والبرنس حليم. كانوا يؤمنون بأن لصاحب المال دورًا اجتماعيًا لا بديل عن أن يؤديه فى مجتمعه، وأن للمجتمع نصيبًا فى ثروة أصحاب المال والأعمال فيه.تاريخ مصر يجرى مثل نهر، وهذا الكتاب يصور جانبًا من جريانه فى عنفوانه، وقد كانت الأميرة فاطمة عنوانًا مضيئًا فى جريان النهر، ولكنها لم تكن العنوان الوحيد.