الأسير وغياب العدالة

الأسير وغياب العدالة

المغرب اليوم -

الأسير وغياب العدالة

عبد الرحمن الراشد

من المفارقة أن يتم الاحتفاء بالقبض على الداعية المتطرف الهارب أحمد الأسير، في وقت هناك على الأقل ثلاثة من المطلوبين دوليًا يحتسون القهوة في الضاحية، جنوب بيروت، دون أن تتجرأ الأجهزة الأمنية على اعتقالهم.
تعتقل الأسير بتهم مثل التحريض، وعرقلة سير العدالة، ولا تعتقل المطلوبين الأحياء الثلاثة، المتهمين بقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
الأسير يستحق اعتقاله على تطرفه وتحريضه ومحاولته تحدي الدولة، لكن العدالة اللبنانية صارت محل سخرية العالم، عندما تتجاهل السلطات متهمين بجريمة أعظم، مثل قتلة الحريري، تفاديًا لإغضاب حزب الله.
وغالبية السنة لا يهمهم كثيرًا اعتقال الأسير، إنما يغضبون من ازدواجية المعايير، والظلم الصريح ضدهم.
بروز أحمد الأسير هدد التركيبة الاجتماعية السياسية القديمة لطائفته السنية. بإعلانه أنه يمثلها، ويدافع عنها، في مواجهة تنظيمات حزب الله، أحرج القيادات التقليدية. وهو في الحقيقة كان ظاهرة صوتية، ولم يكن قادرًا على بناء تنظيم ميليشيا سنية، وعندما حاول فشل. الزعامات السنية في لبنان مدنية دائمًا. وهذه التركيبة المدنية الرافضة للتسلح، عزز موقفها، بخلاف ما يظنه البعض، وجنب الطائفة، ولبنان عمومًا، حالة حرب أهلية ثانية.
نجاح شعبية الأسير القصيرة سببه أنه عزف على وتر المظالم السنية، وحاول التكسب دعائيًا ضد حزب الله في القضية السورية، التي كانت تمثل أكبر جرح للسنة بشكل عام. وعندما وجد الأسير نفسه فجأة وسط الاهتمام اللبناني، والإقليمي أيضًا، كشف عن غوغائيته ضد قيادات طائفته السنة. حاول اللعب على المتناقضات المحلية. فهاجم، وحرض، على سعد الحريري، بحجة أنه لم يدافع عن طائفته في وجه حزب الله. ثم اصطف مع المتطرفين ضد السعودية ربما لينسجم موقفه مع مموليه، رغم أن السعودية كانت الداعم الأكبر للثورة السورية. مواقفه المتعددة والمتناقضة كشفت عن شخصية زعيم انتهازي.
والأسير يرى في زعيم الشيعة حسن نصر الله نموذجًا يريد أن يصبح مثله، زعيمًا دينيًا سياسيًا للسنّة، لكن ما كان ذلك ممكنًا في لبنان دون دعم خارجي كبير. نصر الله وحزبه ما كان لهم وجود لولا إيران، التي التزمت طوال ثلاثة عقود بتمويل وتدريب وإدارة الحزب لمصالحها العليا في المنطقة. وجاء ذلك على حساب المجتمع الشيعي اللبناني الذي همشت قياداته المدنية المعتدلة، وطغى المتدينون المتطرفون على حياة الإنسان الشيعي، واختطف الحزب أبناء الطائفة فكريًا وعسكريًا، ليكونوا ميليشيا في خدمة الممول الإيراني السوري، فحاربوا وحدهم إسرائيل لعقود، وهم الآن يحاربون للدفاع عن نظام الأسد في سوريا.
هذا الوضع ليس مقبولاً عند السنّة، ولا توجد حكومات إقليمية سنية مستعدة لبناء ميليشيات تتبعها، لأنها لا تملك مشاريع توسعية أو صدامية. وحتى الحكومات التي استغلت الأسير ودعمته سرعان ما تخلت عنه وباعته سريعًا.
ومع أن الأسير يستحق الإيقاف والمحاسبة، لكن العدالة في لبنان تبدو في أسوأ أيامها، فهي تعتقل داعية دينيًا فقط لغوغائيته وتحريضه، وتترك مجرمين قتلة طليقي السراح لأنهم في حماية حزب الله!
كل من يشاهد هذا الموقف المحرج، والمخجل، للدولة اللبنانية، يرى دولة تعامل مواطنيها درجات.. قانون لمواطني حزب الله وقانون للآخرين!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسير وغياب العدالة الأسير وغياب العدالة



GMT 19:25 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 19:24 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

شاهد عيان على الاستطلاع

GMT 19:23 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

يوم الفرار الرهيب

GMT 19:21 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الفرق بين ترمب ونتنياهو

GMT 19:20 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

اعتدال «طالبان» ولمْع السراب

GMT 19:19 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

هل السلام مستحيل حقّاً؟

GMT 19:18 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الأخطر من تسجيل عبد الناصر

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib