عندما تخلّص الصينيون من «الصحوة»

عندما تخلّص الصينيون من «الصحوة»

المغرب اليوم -

عندما تخلّص الصينيون من «الصحوة»

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

للصين تجربةٌ في تاريخها الحديث، تشبهُنا؛ فقد مرَّت عليها حقبةُ تطرفٍ سيئة، عانت كثيراً منها. وقد سبقتنا في التخلّص من «آيديولوجيا الصحوة»، وكانت تُسمَّى هناك، زوراً أيضاً «الثورة الثقافية».
الثورة الثقافية كانت حالةَ تطرفٍ آيديولوجية، عطَّلت البلادَ لأكثر من عقد، وهدَّدت استقرارَها وتطورَها. وفي يوم مشمس استيقظ الصينيون على نبأ سعيد؛ فقد قرَّرت السلطاتُ الخلاصَ من التطرف والمتطرفين. خلعت رداءَ التشدَّد الشيوعي، وبدأت التحولَ إلى دولة عملية حديثة، محركها الاقتصاد، وهدفها تطوير بلادها، وخدمة حاجات شعبها، وليس الارتهان لرأي بضعة أشخاص يعيشون في الماضي، كارهين الحاضر.
إنَّها تجربةٌ تستحق الدراسة، فيها الكثير من المتشابهات. مثلنا اليوم، الصين بالأمس انتقلت من زمنِ الاختناق والموت البطيء إلى الانفتاح والتعافي، ثم التنافس على القمة عالمياً. من بلد يعاني من الفشلِ والمجاعات إلى دولة لا حدودَ للإبداع فيها، تدهش العالمَ بتطوّرها وانسجامها، وتنافس في التجديد، وتغرق الأسواقَ الدولية بمنتجاتها. ما كان للصين أن تكونَ كما نراها اليوم، دولة عظيمة، لو لم تقضِ على «الصحوة الشيوعية الصينية». الصين لم تتخلَّص من مذهبها الشيوعي، بل وضعته في مكانِه، وليس في كل مكان.
بدايات القصة الصينية، إلى حد كبير، تشبه قصتَنا في السعودية وبعض الدول العربية؛ إذ أوقفت المحتسبين الشيوعيين، وهذه حقيقة وليست مبالغة مني، ونظَّفت المناهجَ، وفتحت الأبوابَ للجميع من دون فرزٍ آيديولوجي، وحوَّلت المدارس الحزبية معاهدَ فنيَّةً وتقنية، وصار البحثُ العلمي مرجعاً، وليس الحفظ الآيديولوجي، وسُمح للناس أن يغنوا ويرقصوا على أذواقهم من الموسيقى.
لاحقاً، انخرطَ ملايين الصينيين في عملية نهضة كبيرة نرى نتائجَها اليوم. اختفى المتطرفون، واختفت لغتُهم القائمة على احتكار الحقيقة وكراهية الغير. كانوا يسمّون من يخالفهم التحالفَ الإمبرياليَّ الرّجعي، ويعتبرونه خارجاً من الملة الشيوعية، مثلما كانَ هنا يسمونه التغريبيَّ والحداثيَّ والعلماني. امتنعت السلطات عن التدخل في حياة الناس الاجتماعية، وعن فرض خيارها فيما يلبسونه؛ إذ كانت في الماضي تشترط نمطَ الحياة على المجتمع حتى تميّزه عن بقية العالم، لا تبيع سوى قمصانٍ موحدة ذات نصف الكم.
كان الصحويون الشيوعيون يشجّعون طلابَهم على مهاجمة مدرسيهم، وحرق المكتبات، وتدمير مقتنيات المتاحف، وملاحقة المسؤولين المحليين في المدن والقرى. كانوا يسيّرون مواكب في الشوارع ويصرخون عالياً بميكروفونات عن الشيوعية العظيمة وضد الإمبريالية الكريهة. وكانوا يجرّون المسؤولين، الذين لا يلتزمون، بالحبال إلى الشارع، ويتمُّ استعراضهم بإذلال أمام الناس. قاموا بـ«تحطيم كل شيء يمكن اعتباره برجوازياً أو إقطاعياً»، واعتبروا «كل شخص درس في الغرب أو عاش جزءاً من حياته هناك هدفاً للنضال». لم يسلم التاريخ من تسلطهم؛ إذ قاموا بإلغاء أسماء الشوارع والميادين، وأعادوا تسميتَها لتحمل روح الثورة الثقافية. وبعد أن تمَّ التخلصُ منهم، أعادت المدنُ الخرائطَ إلى ما سبق زمن الصحوة الشيوعية المتطرفة. ناهيك عن الخطاب الفكري المتطرف، عاشت الصينُ أكثرَ من عقدٍ في الظلام وكانت تتَّجه نحو الفوضى. والذين يجدون صعوبة في فهم المرحلة الصينية المعروفة بالثورة الثقافية، بمقدورهم معايشتها في رواية «البجعات البرية»، التي تتحدَّث عن ثلاث نساء وثلاثة أجيال، والجزء الأخير مفزع بتفاصيله عن تلك المرحلة.
ليس صعباً علينا فهمُ ما عاشه الصينيون، وما عانوه على يد المتطرفين الشيوعيين؛ فالعديدُ من الدول الإسلامية عايشت حالة التطرف الفكري الديني الذي قاد إلى الإرهاب، والصدام والفوضى، والمجتمعات التي نجت من العنف لم تنجُ من التطرف الفكري الإقصائي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تخلّص الصينيون من «الصحوة» عندما تخلّص الصينيون من «الصحوة»



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 21:08 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الأحداث المشجعة تدفعك?إلى?الأمام?وتنسيك?الماضي

GMT 03:15 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نجاة ممثل كوميدي شهير من محاولة اغتيال وسط بغداد العراقية

GMT 08:02 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

آرسين فينغر الأقرب لتدريب ميلان خلفًا لغاتوزو

GMT 04:11 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

صابرين سعيدة بـ"الجماعة" وتكريمها بجائزة دير جيست

GMT 14:57 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عمرو الليثي يستضيف مدحت صالح في "بوضوح" الأربعاء

GMT 14:14 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

المدن المغربية تسجّل أعلى نسبة أمطار متساقطة خلال 24 ساعة

GMT 03:21 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

ظروف مشحونة ترافق الميزان ويشهد فترات متقلبة وضاغطة

GMT 06:15 2017 الجمعة ,24 آذار/ مارس

ورم الكتابة

GMT 12:25 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح منزلية لتنظيف وتلميع الأرضيات من بقع طلاء الجدران

GMT 06:32 2017 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مجرد درس مغربي آخر !

GMT 01:26 2016 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

ريم مصطفى تؤكد أنها ستنتهي من "نصيبي وقسمتك" بعد أسبوع

GMT 11:30 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات شعر بها سكان الحسيمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib