بعد فشل أديب رئيس الوزراء المُكلّف واعتِذاره عن تشكيل الحُكومة

بعد فشل أديب رئيس الوزراء المُكلّف واعتِذاره عن تشكيل الحُكومة.

المغرب اليوم -

بعد فشل أديب رئيس الوزراء المُكلّف واعتِذاره عن تشكيل الحُكومة

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

اعتِذار السيّد مصطفى أديب عن تشكيل الحُكومة اللبنانيّة يُؤكّد عدّة أمور أساسيّة، الأوّل: أنّ الطائفيّة أقوى من المُبادرة الفرنسيّة التي جاءت بهذه الحُكومة، والثاني: أن إيمانويل ماكرون أثبت أنّه على درجةٍ عاليةٍ من السّذاجة، وجاهل بطبيعة المشهد السّياسي في لبنان وحقيقة أزَماته، والثّالث: أنّ حجم الفساد الذي بات هو الإدمان الأكبر للنّخبة السياسيّة اللبنانيّة، ولا عِلاج له إلا باجتِثاثها من جُذورها، والرابع: وقوف المِنطقة على حافّة حرب أمريكيّة ولبنان لا يُمكن أن يكون بمَعزلٍ عنها.

ماكرون تعاطى مع لبنان كمُستعمرةٍ فرنسيّةٍ، وأراد من السيّد أديب أن يُشكّل حُكومة بمُواصفاتٍ فرنسيّةٍ، وكأنّ لبنان إمارة “مونت كارلو” وليس جُزءًا من مِنطقةٍ مُلتهبةٍ اسمها الشّرق الأوسط، ولهذا كان الفشل حتميًّا بغضّ النّظر عن الأسباب المُعلنة.

***

الصّراع على الأرض اللبنانيّة كان وما زال إيرانيًّا، فرنسيًّا أمريكيًّا، فرنسا تُريد الحدّ الأدنى من الاستِقرار للحِفاظ على نُفوذها، أمّا أمريكا فتُريد العكس تمامًا، أيّ تصعيد حدّة التوتّر الطّائفي، وزيادة مُعاناة الشّعب اللّبناني المعيشيّة والاقتصاديّة، وإيصاله لمرحلة الجُوع، ومن ثمّ التّركيع، ونزع سلاح “حزب الله” سِلمًا أو حربًا، أمّا إيران فلا تُريد أنّ تخسر نُفوذها في أهم مِنطقة على ساحل البحر المتوسّط، وترك إسرائيل تصول وتجول وتنعم بالأمن والاستقرار.

الاستقرار ممنوعٌ في لبنان، بقرارٍ أمريكيّ والشّيء الوحيد المسموح به هو الحرب الأهليّة والاقتِتال الداخلي، أو الرّضوخ لشُروطها كاملةٍ، أيّ أنّ المسألة ليسَت مسألة خلاف على وزارة ماليّة، أو السّماح للكتل بتسمية وزرائها، المسألة مسألة تدخّلات خارجيّة عبر أدوات محليّة، تُريد استمرار التوتّر انتِظارًا لحسم مصير مِنطقة بأسْرِها.

لبنان يعيش حاليًّا تطبيقًا حرفيًّا للسّيناريوهات العِراقيّة والسوريّة والليبيّة، وقريبًا اليمنيّة، أيّ “الخبز مُقابل التخلّي عن السّلاح”، وإلا الجُوع، والتّفجيرات، وأعمال القتل والسيّارات المُفخّخة، وهيمنة لوردات الحرب، وتأسيس “الإمارات” الطائفيّة المُتصارِعة.

لم يَكُن من قبيل الصّدفة أن يهرول المبعوثين الأمريكيين إلى بيروت مِثل ديفيد هيل، وديفيد شنكر، فور مُغادرة الرئيس ماكرون، ويجتمعون مع أدواتهم، ويطرَحون برامج عمل مُضادّة لنسف مُبادرة الرئيس الفرنسي العائِد إلى مُستعمرته، والسّاعِ لاستِعادة نُفوذ بلاده فيها.

بعد مُتابعتنا للهُجوم الشّرس الذي شنّه العاهل السعوديّ سلمان بن عبد العزيز على إيران و”حزب الله” في الخِطاب الذي ألقاه أمام الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة قبل يومين، أدركنا أنّ السيّد أديب الذي يُعتَبر السيّد سعد الحريري، مندوب المملكة في لبنان، مرجعيّته الأساسيّة، سيفشل في تشكيل الحُكومة، وأنّ لبنان ذاهِبٌ إلى الفوضى والفَراغ الدستوريّ.

العاهل السعودي كان مُتماهيًا بالكامل مع المشروع الأمريكيّ عندما أكّد أنّ انفجار بيروت جاء لفرض هيمنة “حزب الله” على صُنع القرار السياسي في لبنان بقوّة السّلاح، مُشَدَّدًا على ضرورة نزع سِلاحه لتحقيق الأمن والاستِقرار والرّخاء، وكان هذا المطلب تحريضًا، وضُوءًا أخضر، لحُلفاء السعوديّة ورِجالها في لبنان للتحرّك وعرقَلة المُبادرة الفرنسيّة.

المِنطقة تَقِف على حافّة الحرب، والأيّام الأربعون التي تَسبِق إجراء الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة قد تكون الأخطر، ولا يَستبعِد الكثير من المُراقبين في الغرب إقدام ترامب الذي بات حبل الهزيمة يَقترِب من عُنقه، على عمل عسكريّ ضدّ إيران في أيّ لحظةٍ، ولبنان بسبب وجود ترسانة “حزب الله” وموقعه الجُغرافي في الجوارين السوري (شرقًا) و”الإسرائيلي” جنوبًا، سيكون أبرز ساحاتها، إن لم يَكُن ساحتها الرئيسيّة.
***

السّؤال الأهم: هل سيسحب الرئيس ماكرون مُبادرته، وينسحب من لبنان مهزومًا ومُهانًا أمام الانتِصار الأمريكيّ؟ وفي هذه الحالة يُقدِم على الانتِقام من الأحزاب السياسيّة اللبنانيّة التي وصفها أحد المُقرّبين مِنه بارتكاب “خيانة جماعيّة” بالكشف عن فسادهم، وفرض عُقوبات على قادتها وفضح، وتجميد حِساباتهم الماليّة في بُنوك فرنسا وأوروبا؟ أم أنّه سيُعيد صياغة هذه المُبادرة، ويُعيد الكرّة مرّةً أُخرى؟

الأمر المُؤكّد أنّ الشّعب اللبناني بكُل طوائفه سيدفع ثمنًا غاليًا من أمنه واستِقراره، ولُقمة عيشه، من جرّاء هذا الصّراع بين الفِيَلة على أرضه، ولمصلحةٍ إسرائيليّةٍ صِرفَة، ولهذا ليس غريبًا أن يركب بعض أبنائه زوارق الموت هربًا إلى ملاذٍ آمنٍ في أوروبا.

المشروع الأمريكيّ في المِنطقة هو تتويج بنيامين نِتنياهو امبراطورًا عليها دون مُنازع، ولهذا يَقِف لبنان في عين العاصفة للأسباب التي ذكرناها سابقًا، والرئيس ميشال عون كان دقيقًا جدًّا عندما قال إنّ لبنان ذاهِبٌ إلى الجحيم، ومن الصّعب أن نُجادله في هذه النّبوءة المُرعبة.
 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد فشل أديب رئيس الوزراء المُكلّف واعتِذاره عن تشكيل الحُكومة بعد فشل أديب رئيس الوزراء المُكلّف واعتِذاره عن تشكيل الحُكومة



GMT 19:25 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

GMT 15:22 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا الجديدة ومسارات التكيّف والتطويع

GMT 15:16 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا و«حِفظ الإخوان»

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 21:08 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الأحداث المشجعة تدفعك?إلى?الأمام?وتنسيك?الماضي

GMT 03:15 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نجاة ممثل كوميدي شهير من محاولة اغتيال وسط بغداد العراقية

GMT 08:02 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

آرسين فينغر الأقرب لتدريب ميلان خلفًا لغاتوزو

GMT 04:11 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

صابرين سعيدة بـ"الجماعة" وتكريمها بجائزة دير جيست

GMT 14:57 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عمرو الليثي يستضيف مدحت صالح في "بوضوح" الأربعاء

GMT 14:14 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

المدن المغربية تسجّل أعلى نسبة أمطار متساقطة خلال 24 ساعة

GMT 03:21 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

ظروف مشحونة ترافق الميزان ويشهد فترات متقلبة وضاغطة

GMT 06:15 2017 الجمعة ,24 آذار/ مارس

ورم الكتابة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib