حكومات خارج المكان

حكومات خارج المكان

المغرب اليوم -

حكومات خارج المكان

محمد الأشهب

وحدة البلدان الأوروبية خط أحمر. تؤكد ذلك جهود حل الأزمة الأوكرانية التي استعصت على التطبيع، جراء تدخل لاعبين دوليين، وممارسة أقصى الضغوط الممكنة عبر فرض العقوبات. ولم تيأس الأطراف من إمكان تحقيق حد أدنى من الوفاق على الأرض.

لكن السلطة الشرعية التي ووجهت بحمل السلاح واقتطاع أجزاء في المناطق الشرقية، لم تترك العاصمة كييف، كونها تحظى بدعم أوروبي وأميركي، فيما معالم السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا، في ليبيا كما في اليمن، تتبدد أمام زحف التنظيمات المسلحة، وترنو إلى مناطق قصية لممارسة أدوار لا تنسحب على مجموع الأراضي.

برزت الظاهرة بجلاء في حالة ليبيا، حيث توزعت المواقف والمناطق بين برلمانين وحكومتين وعدد لا يحصى من الميليشيات التي تضرب حيث تشاء. ولم يكن لهذا التقسيم التعسفي الذي يستهدف وحدة الأرض والإنسان والهوية أن يفرض سطوته، لولا وجود حماته، من بين التنظيمات المسلحة، ومن داخل نزعة تفتيت الكيانات العربية وخارجها.

ثم جاء دور اليمن، فالسلطة الشرعية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي تركت العاصمة صنعاء واتجهت إلى عدن، تماماً كما احتمت الحكومة والبرلمان الليبيّان بطبرق، إذ لم يعد في الإمكان البقاء حيث يفترض أن يكونا. وبين الحالتين الليبية واليمنية برز العجز الكبير في فرض هيبة الدولة وسلطتها، أكان من خلال القوات النظامية المفككة التي تتوزعها ولاءات عدة، أو من خلال سلطة القانون التي تتراجع أمام سلاح قانون الغاب.

سبقت الأوضاع في سورية والعراق إلى تكريس هيمنة التنظيمات الخارجة على القانون، حتى صار لتنظيم «داعش» دولة داخل الدولة الأصل التي وقفت عاجزة أمام تمدد الفوضى والتطرف والإرهاب. ولا يبدو أن التجربة ستظل منحصرة في رقعة محددة، طالما أن التربة الخصبة لتوالد العصيان في طريقها لأن تنتقل من بؤرة إلى أخرى.

لكن الإقرار بوجود فوارق جوهرية بين هذه الحالات، أقلها قيام تحالف دولي رافض لسيطرة تنظيم «داعش» في أي رقعة جغرافية، لا يلغي حقيقة أن تجارب التفتيت والتقسيم تتكرر على نحو مفجع، إلى درجة تطرد معها العملة الرديئة نظيرتها الجيدة، فالخارجون على السلطة يستأثرون بالعواصم والمرافق والمنشآت الحيوية، فيما السلطة الشرعية تتراجع إلى الخلف بحثاً عن ملاذات لمعاودة تجميع قواها، أملاً ببسط نفوذ انتُزع منها عنوة وبالإكراه والتهديد.

غير أن استباحة عواصم عربية بهذه الطريقة، إنما يراد لرمزيتها. وطالما أن تنظيمات ليبية متعددة الولاءات، اهتدت إلى الاستقرار في طرابلس، فلا شيء كان يحول دون أن يزحف الحوثيون على العاصمة صنعاء لاقتلاع جذور الشرعية واستبدالها. فقد وقف العالم متفرجاً على الحالة الليبية، تماماً كما تجاهل الأزمة العراقية إلى أن شبت على الطوق. وربما كان الأغرب في بعض هذه الحالات أن الحكومة المعترف بها في ليبيا تذهب إلى مجلس الأمن لاستجداء ترخيص توريد السلاح، فيما ترسانة تتدفق على الميليشيات من البحر والسماء بلا رادع أو وازع.

احتماء السلطات الشرعية بالهوامش يضرب في العمق جوهر الحلول السياسية والديموقراطية، فالانقلاب على صناديق الاقتراع أصبح «تقليعة» مشجعة، ما يفرض إعادة النظر في أسس تثبيت البناء الديموقراطي على نحو يرسم علامات حمراً أمام قيم وجود الدول ووحدتها، فقد عرف العالم نماذج «حضارية» استهوتها صناديق الاقتراع لإقامة كيانات جديدة منفصلة عن الدول المركزية، لولا أن الرأي العام في تجارب بريطانية وإسبانية كان أكثر وعياً بالمحاذير. ويبقى أن الأحداث المتفاعلة في أوكرانيا في ظل أريحية البلدان الغربية أقرب درس إلى التمثّل، وإن لم تقد بعد إلى إقرار حل نهائي للأزمة.

أليس تفتيت الكيانات العربية مطلوباً إلى درجة التساهل إزاء ما يحدث من تطورات؟ لنعد إلى قراءة تجارب حكومات ولدت خارج الشرعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكومات خارج المكان حكومات خارج المكان



GMT 15:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الاعتراف بفلسطينَ اعتراف بإسرائيل

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام

GMT 15:27 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

تحقيقٌ صحافي عن عبد العزيز ومن عبد العزيز

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية

GMT 15:15 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

حكاية الطبيب والأميرة ديانا!

GMT 10:37 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الرضا مرة أخرى

GMT 10:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

محمد سعد يبحث عن العصافير!

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

وزارتان لوزير البترول

وفاء الكيلاني وتيم حسن يخطفان الأنظار في "الموريكس دور" وأناقة لافتة للثنائيات

بيروت - المغرب اليوم

GMT 21:14 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 16:40 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تراجع قياسي جديد للروبل إزاء الدولار واليورو الجمعة

GMT 20:01 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

الإسباني خوان كارلوس غاريدو مدربا لنادي الرجاء

GMT 14:05 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

أهم و أبرز اهتمامات الصحف العراقية الصادرة السبت

GMT 04:31 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إنجذاب الشباب إلى موضة تامر حسني البسيطة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib