بين الجزائر ومصر

بين الجزائر ومصر

المغرب اليوم -

بين الجزائر ومصر

محمد الأشهب

تختلف خطة الانقلاب العسكري على الشرعية الديموقراطية في الجزائر، في نهاية ثمانينات القرن الماضي، عن مقاربة الفكرة ذاتها، حيال ما وقع في مصر. سواء على مستوى السياق التاريخي أو في نطاق التمايز الذي يضع بينهما مسافات أبعد. الهدف كان واحداً، أي الحؤول دون اضطلاع تيارات إسلامية بالحكم منفردة، لكن الأسباب مغايرة والتجربة كذلك. لقد جاء إقصاء جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، نتيجة قرار اتخذته المؤسسة العسكرية التي لم يرقها استئثار الجبهة بصدارة المشهد السياسي في انتخابات البلديات، في ظرف لم تكن فيه الجزائر قادرة على استيعاب مخاطر الانفتاح والتعددية السياسية واقتصاد السوق. وفيما راهن الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد الذي لم يكن منتخباً على خوض غمار الانفتاح. كان صقور الجيش بتحالف مع متشددي جبهة التحرير يحذرون من الاستسلام أمام التيار الجارف. ساعدهم في ذلك أن الغرب عامة لم يكن في وارد أن يتقبل سيطرة الإسلاميين على بلد النفط والغاز. فقد كان تأثير الثورة الإيرانية لا يزال قائماً، ولم تكن فرنسا الشريك الاقتصادي والتجاري استفاقت من تأثير هجمات إرهابية تغلغلت في شوارعها ومتاجرها الكبرى. الشبه قائم في أن إسلاميي “الإنقاذ”، قبل أن يتطور الأمر إلى تشكيل جماعات مسلحة، كانوا ينبهون إلى مزالق سقوط الجزائر في بحر دماء. ولم يكن العسكريون بدورهم بعيدين من التلويح بالمخاطر ذاتها. وما يحدث في مصر من أعمال عنف يكاد يختزل المشاهد الأولى لما بعد إلغاء الانتخابات الجزائرية، إلى أن وصل الإقصاء إلى حظر وجودها الشرعي. لكن الفارق أن لا صوت يعلو في مصر مطالباً بحظر الحرية والعدالة إلى الآن. ولعل “الإخوان المسلمين” في مصر يدركون جيداً أن العودة إلى العمل السري انقضى ما يحتمها. فقد انتهى زعيم “الإنقاذ” الجزائرية الشيخ عباسي مدني لاجئاً في قطر، كما آل وضع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي إلى مصير لم يكن يتخيله. في فوارق التجربتين أن مجيء إسلاميي مصر، والحرية والعدالة تحديداً، إلى الحكم ترتب على ثورة غاضبة في الشارع أزاحت صورة الاستبداد التي علقت بالرئيس السابق حسني مبارك. بينما جبهة “الإنقاذ” أفادت من تكريس نظام التعددية الحزبية وتآكل نفوذ جبهة التحرير. غير أن الشاذلي بن جديد سيضطر إلى الانسحاب من المواجهة عبر استقالة فرض عليه تقديمها من المؤسسة العسكرية التي كانت حملته من قاعدة وهران إلى قصر المرادية. وبين إسلاميي مصر الذين اعتلوا سدة الحكم واستأثروا بالقرارات السياسية والاقتصادية والثقافية حتى، وإسلاميي الجزائر الذين أقصوا وهم على مشارف الوصول إلى مواقع المسؤولية الاشتراعية والتنفيذية تتباين الصورة. فالمؤسسة العسكرية في الجزائر انقلبت على شرعية صناديق الاقتراع ومارست الإقصاء الذي بلغ درجة الاستئصال. فيما اذعن الجيش المصري لنداءات الشارع. بهدف درء مخاطر اندلاع حرب أهلية. والثابت في غضون ذلك أن الانقلاب وإن كان له اسم واحد، عندما يلتوي على التجارب الديمقراطية، فإن مبعثه يبدو مختلفاً بين الحالتين الجزائرية والمصرية. ولعل خطأ الإسلاميين في مصر أنهم لم يستوعبوا لا الدرس الجزائري ولا أسبقيات المرحلة، وكما خشيت المؤسسة العسكرية في بلد المليون شهيد من تفكيك بنيات الدولة، بما يعنيه ذلك من ضياع مصالح وامتيازات وتضرر لوبيات، فإن الشارع المصري واجه مخاوف مماثلة، وهو يعاين مظاهر الاستئثار بالنفوذ الدستوري والقضائي والاقتصادي. قد لا تكون المخاوف بنفس الحجم الذي صورت به. لكن أي شكل من أشكال التهديد يحيل على انهيار القناعات الديموقراطية، لجهة أن التغيير المطلوب لا يتوازى بالضرورة مع الرغبات الدفينة في معاودة تشكيل بنيات الدولة. فهناك وسائل ديموقراطية يمكن اللجوء إليها لخلخلة البنيات القديمة التي تعتبر من تركات النظم الاستبدادية. ولو أن محمد مرسي لم تغلب عليه نزعة إقصاء جزء كبير من الشارع، لما انتفض حشد كبير من المجتمع ضد فترة حكمه القصيرة جداً. ولا يمكن لكل هذه الأصوات الغاضبة أن تصطف في مواجهة حكمه من طريق الخطأ. أبعد من المقاربة بين الحالتين الجزائرية والمصرية أن الرهان في الجزائر استقر عند هاجس الوئام والاستقرار، بعد أن أفضى صراع السلطة إلى عشرات الآلاف من الضحايا. فيما لا تزال مصر على أهبة بدء شوط جديد من فصول ذلك الصراع. والراجح أن إدارة الحراك داخل دولة المؤسسات، وفق قناعات العمل السياسي المشروع الذي لا يلغي وجود الآخر أفضل من إطلاق العنان لهيجان المشاعر. ويبقى التمسك بالشرعية الدستورية والديموقراطية مقبولاً ومطلوباً، ما لم يخرج عن قواعد الانضباط إلى مقتضيات الشرعية التي تكرس مبدأ التداول السلمي على السلطة، ولا تحوله إلى سلم يصعد عليه البعض ثم يكسره، كي لا يمتطيه غيره. ففي النهاية لا يعني انهزام طرف وصعود آخر أن الباب أغلق. وإلا لما استطاع فصيل معارض أن يجد مكانه تحت الشمس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الجزائر ومصر بين الجزائر ومصر



GMT 15:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الاعتراف بفلسطينَ اعتراف بإسرائيل

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام

GMT 15:27 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

تحقيقٌ صحافي عن عبد العزيز ومن عبد العزيز

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية

GMT 15:15 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

حكاية الطبيب والأميرة ديانا!

GMT 10:37 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الرضا مرة أخرى

GMT 10:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

محمد سعد يبحث عن العصافير!

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

وزارتان لوزير البترول

وفاء الكيلاني وتيم حسن يخطفان الأنظار في "الموريكس دور" وأناقة لافتة للثنائيات

بيروت - المغرب اليوم

GMT 21:14 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 16:40 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تراجع قياسي جديد للروبل إزاء الدولار واليورو الجمعة

GMT 20:01 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

الإسباني خوان كارلوس غاريدو مدربا لنادي الرجاء

GMT 14:05 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

أهم و أبرز اهتمامات الصحف العراقية الصادرة السبت

GMT 04:31 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إنجذاب الشباب إلى موضة تامر حسني البسيطة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib