شراكة في مواجهة الإرهاب

شراكة في مواجهة الإرهاب

المغرب اليوم -

شراكة في مواجهة الإرهاب

محمد الأشهب

تضطر كل من باريس والجزائر إلى استفسار الرباط عما توافر لديها من معطيات، حول تنظيم «جند الخلافة» ذي النزعة الراديكالية، من جهة لأن المتهم الذي اعتقلته السلطات المغربية في منطقة الحدود الشرقية يتحدر من أصول جزائرية، ومن جهة ثانية ينتسب إلى تنظيم «جند الخلافة» الذي أهدر دم الرهينة الفرنسي هيرفي كوردال بدم بارد. عدا أن الانشغال بالأحداث الإرهابية وحّد باريس والجزائر والرباط وإن لم يسعف في تبديد خلافات سياسية عالقة.

جاءت الخطوة مشجعة مع البدء في حلحلة الأزمة بين باريس والرباط، وحصر النقاط الخلافية في إجراءات قانونية وقضائية وسياسية. وتخلفت عقوداً في استمرار الأزمة بين المغرب والجزائر، على رغم المساعي التي بذلها وسطاء خارجيون لرأب الصدع. ما يرسخ الفوارق في التعاطي مع الأزمات، إذ تقع بين دولة غربية وأخرى عربية، أو بين أبناء الفضاء العربي الذين يفاخرون بوحدة الانتماء الديني واللغوي والروابط التاريخية والمصائر المشتركة.

لكن ضبط النفس ميّز هذه المرة التعامل مع تسلل ناشط جزائري إلى الأراضي المغربية بطريقة غير شرعية. وعلى رغم أن الحادث يشبه الهجمات التي كان تعرض لها فندق «أطلس- أسني» في مراكش، صيف العام 1994، فإن تشابك ظلاله في العواصم الثلاث لم يقابل بنفس الحدة. ففي سجل الأزمات المتوارثة بين البلدين الجارين يشكل التسرب من الحدود القطرة التي تفيض الكأس. حدث ذلك على خلفية حادث «أطلس - أسني»، وتوالى بعد أقل من أربعة أشهر على اعتلاء العاهل المغربي الملك محمد السادس العرش، ضمن ما عرف بتسلل متطرفين جزائريين إلى منطقة بني ونيف، وتواصل عبر تبادل الاتهامات عن المسؤولية إزاء آفات التهريب والمخدرات العابرة للحدود المغلقة.

نقطة الضوء الجديدة، أن الجزائريين والمغاربة ربما تعلموا من التجربة أن تسريع فرض تأشيرات على رعاياهم التي أدت إلى إغلاق الحدود البرية من طرف واحد، لم يكن الحل المثالي، لأنه لم يحسم في أي إشكالات، ولم يحد من المخاطر التي كانت وراء إقراره بطريقة متسرعة، أصبح تجاوزها أكثر إحراجا، ضمن مفهوم حفظ ماء الوجه.

العنصر الجديد في اعتقال ناشط «جند الخلافة» أن آثار الهجمات الإرهابية التي طاولت أسبوعية «شارلي إيبدو» ومتجر الأغذية اليهودي في باريس ما زالت طرية، فيما تواصل كافة الأطراف المتضررة مساعيها لتفكيك رموزه المتمددة على نطاق واسع. ما يعزز فرضيات الإفادة من أي معطيات أو معلومات، تقود إلى ما هو أبعد من مقتل المنفذين المباشرين. غير أن الحزم الذي أبداه المغاربة في مراقبة الشريط الحدودي المغلق، يعني أن المخاطر يمكن أن تتسلل من أي معابر، مغلقة كانت أم مفتوحة. وربما أن تسويق فكرة الحدود المغلقة يسيل لعاب التنظيمات المسلحة التي دأبت على العيش خارج كل ما هو قانوني ومشروع.

في قضية أقرب إلى دخول طرف ثالث على خط الأزمات المستفحلة بين المغرب والجزائر، أن المشروع الاقتصادي الوحيد الذي لم يتأثر بخلافات البلدين، تمثل في سريان نقل الغاز الطبيعي الجزائري إلى إسبانيا عبر الأراضي المغربية. فوجود إسبانيا كطرف أوروبي معني بالمشروع، قلّل من مضاعفات الخلافات الثنائية. ما يعاود طرح المقاربة ذاتها، على مستوى اهتمام فرنسا بمتابعة التحقيقات في ملف معتقل «جند الخلافة»، أي دخولها بدورها على خط تهدئة الأجواء والبحث في إمكان معاودة ترتيب أفق جديد أمام مستقبل علاقات البلدين الجارين.

في كل مرة تكون الفرصة سانحة أمام الشركاء الأوروبيين والأميركيين للبحث في أزمات منطقة الشمال الإفريقي، يهتدون إلى بوصلة محورية، تفيد بتركيز الجهود على الخيار الوحيد المتمثل في الانخراط كلياً في الحرب على الإرهاب، وتجاوز الخلافات السياسية والتناقضات القابلة للإرجاء. وتبدو الظروف مواتية أمام الشريك الفرنسي الذي يرتبط بعلاقات متوازنة مع كل من الرباط والجزائر للقيام بمبادرة في هذا الاتجاه.

فهل يكون لاعتقال ناشط «جند الخلافة» أثر إيجابي في جذب خصوم الأمس إلى معترك تحديات اليوم والغد، كونها لا تستثني أي طرف، ولا تفرق بين دول متضامنة أو مختلفة، في سياق عولمة الظاهرة الإرهابية التي تتطلب عولمة وتفاهمات سياسية على نطاق أكبر.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شراكة في مواجهة الإرهاب شراكة في مواجهة الإرهاب



GMT 19:43 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً: ضاحكاً مرحاً

GMT 19:42 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

قيادات مشكوك في قدراتها!

GMT 19:38 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

بلدان تحلو فيها تمضية العمر

GMT 19:36 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

العهد الأموي كما قرأه الريحاني

GMT 19:30 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

الفرنسي الذي تحدى ماركس

GMT 19:22 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

«قوم اقف وانت بتكلمني»!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:58 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

مجلس النواب المغربي يصادق على قانون التصفية بإجماع الأعضاء

GMT 17:18 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

توشيح الصحفي حسن الحريري بوسام ملكي

GMT 16:04 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تعاقد جديد للوداد قبل الميركاتو الشتوي

GMT 17:28 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

شقيق الملك سلمان بن عبدالعزيز يحلّ بالعيون في رحلة صيد

GMT 07:59 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

عبير الأنصاري تُشيد بإطلالة مي عمر في مهرجان الجونة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib