بقلم : أمينة خيري
ما يجرى فى السودان، على بعد بضعة كيلومترات من حدودنا الجنوبية، جدير باهتمام ومتابعة ومراقبة، بالإضافة بالطبع إلى التعاطف والدعم والمساندة.
أتصور أن مقدار معرفة الشارع المصرى بما يجرى فى السودان، وحقيقة الأوضاع، قليل جدا. كثيرون يعتقدون أن كل المطلوب هو استضافة الأخوة السودانيين الهاربين من الحرب، وأنها استضافة مؤقتة، حيث سيعودون ما إن ينهى المتحاربون خلافاتهم «الداخلية». وبين تململ من أخبار الحروب بشكل عام، واعتقاد بأن ما يجرى فى السودان شأن داخلى سرعان ما سيهدأ وتعود الأمور إلى طبيعتها، وأن الاهتمام الحقيقى يجب أن يكون منصبا على «أهلنا فى فلسطين» فقط لأنهم وحدهم يعانون الإبادة والجوع والموت.
اندلعت الحرب الضروس فى السودان فى إبريل عام 2023، أى قبل حرب غزة بنحو خمسة أشهر. حصدت أضعاف ما حصدت حرب غزة. لسنا بصدد المقارنة أى الحربين أبشع، فحين يقتل شخص واحد، فهذا أمر جلل، فما بالك بنحو 150 ألف قتيل فى السودان منذ إبريل 2023، وبين 60 و80 ألف قتيل فى غزة منذ أكتوبر 2023 أيضاً؟! 30.4 مليون شخص فى السودان فى حاجة إلى مساعدات إنسانية فى أزمة إنسانية تصفها منظمات أممية بالأسوأ فى تاريخ توثيق الأزمات، وفى غزة 2.1 مليون فلسطينى يحتاجون مساعدات إنسانية أيضا.
أكثر من 12 مليون سودانى نزحوا قسرا منذ بدء الحرب فى أكبر وأسرع أزمة نزوح فى العالم، وفى غزة 1.9 مليون نزحوا قسرا أيضا منذ بدء حرب القطاع، ناهيك عن كارثة جوع يواجهها أهل السودان تعد الأسوأ منذ عقود، وفى غزة نحو نصف مليون شخص فى حالة مجاعة، أى يعانون الفقر المدقع، ومعرضون للموت لأسباب كان يمكن منعها.
مرة أخرى، الغرض ليس المقارنة بين من شهد قتلى أكثر، ومن جاع أكثر، ومن تضرر بقدر أكبر، ومن نزح قسرا أكثر. الغرض هو تسليط الضوء على مصيبة إنسانية وأمنية ومصيرية على حدودنا الجنوبية، بالإضافة إلى مصيبة قطاع غزة على حدودنا الشمالية الشرقية.
ورغم ذلك، يولى العالم القدر الأكبر من الاهتمام، وينقسم بين متعاطف مع الجانب الفلسطينى ومدافع عن الجانب الإسرائيلى، ولا يولى واحد على عشرة من الاهتمام نفسه لما يجرى فى السودان. محليا، نبض الشارع يدق فى غزة. أمارات الدق فى السودان غائبة أو مموهة، وأود أن أفسرها فى ضوء عدم المعرفة. لكن التفسيرات العلمية لا تعترف بالود عاملا من عوامل الفهم أو التحليل.
بالطبع، المصريون يتعاطفون كل التعاطف مع السودان وأهله، لكن واضح تماما أن الأكثرية لا تعرف حجم المأساة. كثيرون يعتبرون ما يجرى فى السودان أشبه بـ«خناقة عائلية» تختلف عن القضية الفلسطينية، وهى القضية التى تحولت من صراع عربى إسرائيلى، إلى صراع إسلامى يهودى.
هذه دعوة لنا جميعا للاهتمام بما يجرى فى السودان.