تراجع ليز تراس قرار شجاع

تراجع ليز تراس قرار شجاع

المغرب اليوم -

تراجع ليز تراس قرار شجاع

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

من المنطقي أن دوائر اتخاذ القرار في العواصم العربية حرصت على أن تتابع تطورات لندن خلال آخر أسابيع الشهر الماضي؛ إذ حفل بأكثر من تطور يوجب أن يُعطى القدر الكافي من الاهتمام. أسباب ذلك يدركها كل معني بأن ما يجري في إحدى أهم مدن العالم، اقتصادياً، وبالطبع سياسياً، سوف ينعكس، في جوانب عدة، على الدول كافة بأقاصي الأرض وأطرافها، ويمكن الافتراض أن المجتمعات العربية في مقدمها. يضاف إلى هذا أن الذي جرى في بريطانيا بين يوم الجمعة قبل الماضي، وضحى أول من أمس، الاثنين، حمل الكثير من الدروس للراغبين في التعلم بين ساسة هذا الزمان، وكما يعلم الراسخون في علوم تجارب الحياة عموماً، وحقول ألغام السياسة والاقتصاد خصوصاً، ليس من دروس تخلو من العِبر، إنما يبقى المهم هو أن يعيها من يرغب في الاعتبار.
يُسجل للسيدة ليز تراس، رئيسة الوزراء، أنها لم تخجل من الإقرار بالتسرع في إصدار «الميني بَدجيت»، التي تضمنت إجراء استقطاع ضريبي ضخم قبل التأكد من تهيئة الأرضية المناسبة لتخفيضات ضريبية من شأنها حرمان خزينة الدولة من نحو خمسة وأربعين مليار جنيه إسترليني. زاد المشكل تفاقماً أن تخفيض الضرائب أفاد تحديداً الشركات الكبرى، ذات الدخول العالية أساساً، والتي تحقق أرباحاً عالية جداً، ثم إن تعويض المفقود من دخل الخزانة سوف يجبر الدولة على الاستدانة من الاحتياطي لتسديد العجز الناشئ بسبب الاستقطاعات غير المسبوقة من قِبل حكومات حزب «المحافظين». لكن إقرار ليز تراس بالتسرع، وقولها خلال مقابلة لها مع تلفزيون «بي بي سي» صباح الأحد الماضي، إنها «تعلمت الدرس»، لم يحل دون إصرارها المعاند على أن الاستقطاعات الضريبية التي اتخذتها بالتفاهم مع كواسي كوارتنغ، وزير الخزانة، سوف تبقى قائمة، بصرف النظر عما تواجه من اعتراضات.
ذلك نوع من العناد غير المستند إلى أي أساس منطقي. لذا؛ كان من المتوقع أن ترتفع أصوات غضب بين أعضاء مؤتمر حزب «المحافظين» المنعقد في بيرمنغهام، فور انتهاء بث لقاء لورا كينسبيرغ التلفزيوني مع ليزا تراس. الأصوات الغاضبة شملت آراء ساسة مهمين داخل الحزب، بينهم وزراء سابقون في حكومة بوريس جونسون، أبرزهم مايكل غوف، وغرانت شابس، اللذان اعتبرا أن إجراءات تراس، التي تقوم على الاستمرار في الاستدانة من الاحتياطي، بهكذا حجم، بعيدة تماماً عن سياسات «المحافظين». في هذا السياق، من الضروري ملاحظة وجود صراع أجنحة داخل الحزب. فبينما خصت جريدة «ديلي ميل»، المعروفة بعمق تأييدها سياسات الحزب، ميزانية تراس بترحيب حار حين صدرت صفحتها الأولى، في اليوم التالي لإعلان الميزانية، بالعنوان الزاعق أن هذه «أخيراً، أول ميزانية محافظين حقيقية»، فإن القيادات التقليدية للحزب المعنية بمدى نسبة التأييد في صفوف الناخبين، انتبهت فوراً إلى التأثير السلبي لقرارات تراس بين معظم الناس، بمن فيهم موالون في مناطق موالية تقليدياً للحزب. لذا؛ لم يكن ثمة مفرّ من إجبار رئيسة الوزراء على التراجع عن تخفيضاتها الضريبية تلك.
الدليل الأسطع على خطورة ما أقدمت عليه السيدة تراس، تمثل في جانبين؛ أولهما أن حزب «العمال» حقق تقدماً في أكثر من استطلاع رأي موثوق على «المحافظين» فاق ثلاثة وثلاثين في المائة. من المؤكد أن يُقلق تقدم بهذه النسبة، كبار ساسة الحزب. لذا؛ لم يتردد بعضهم من توجيه تحذير صاعق قال إنهم يواجهون احتمال السحق في الانتخابات النيابية عام 2024. بل بينهم من ذهب إلى القول إن الحزب قد يُمحى تماماً من خريطة بريطانيا السياسية. ذلك نوع من المبالغات الدرامية في تصريحات السياسيين. أما ثاني الجانبين، وهو مهم جداً كذلك، فقد تمثل في الصدى العالمي المتشكك في جدوى استقطاعات تراس الضريبية. بين الأهم فيما تردد من أصداء كان رد فعل صندوق النقد الدولي، كما عبّر عنه بيان ورد فيه، أن الإجراءات ستؤدي إلى تصاعد أزمة ارتفاع الأسعار، وتزيد من غياب العدالة في المجتمع. قليلاً ما يتدخل الصندوق إلى جانب عموم المواطنين ضد قرارات تتخذها الحكومات. لذا؛ بدا واضحاً أن على رئيسة الوزراء أن تسمع، وهو ما حصل. الاثنين الماضي سوف يوثق، تاريخياً، أنه يوم تراجع ليز تراس عن التسرع. كما قيل منذ زمن بعيد؛ العودة عن الخطأ فضيلة، وذلك قرار حقيق أن يوصف بأنه شجاع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجع ليز تراس قرار شجاع تراجع ليز تراس قرار شجاع



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء

GMT 16:12 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره الهنغاري

GMT 01:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتكوين تقترب من 100 ألف دولار مدفوعة بفوز ترامب

GMT 05:10 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

كريم بنزيما أفضل لاعب في العام جلوب سوكر 2022
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib