شميمة بيغوم الضحية والمخطئة

شميمة بيغوم... الضحية والمخطئة

المغرب اليوم -

شميمة بيغوم الضحية والمخطئة

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

منذ العام 2019 حجزت صبية تُدعى شميمة بيغوم مكاناً لها على رادار شبكات أخبار بريطانيا أولاً، ثم العالم ككل، ثانياً، وسوف يتخذ مكانها الموقع المتصدر فجأة في نشرات الأخبار، وما يدور في فضائها من حلقات نقاش وتحليل، ثم يتراجع إلى الخلف قليلاً، حتى يختفي نهائياً. يتوقف الأمر، بشأن سبب ظهورها المفاجئ، على جديد قصتها منذ ظهرت عام 2015 صحبة صديقتين لها، بعد هروب ثلاثتهن المفجع من بيوت عائلاتهن للعيش في أوكار تنظيم إرهابي متوحش أعطى نفسه اسم «الدولة الإسلامية». مذ ذاك الزمن بدأت صحف بريطانيا، ثم قلدتها جرائد العالم كلها، تقريباً، في تسميتهن «عرائس داعش». قبل أربع سنوات، كان قرار ساجد جاويد، وزير الداخلية في حكومة بوريس جونسون، آنذاك، تجريد شميمة من جنسيتها البريطانية هو سبب اهتمام إعلامي رافق ظهورها من جديد. الأربعاء الماضي، تجدد زعيق قصتها بعدما رفضت المحكمة استئناف فريق المحامين عنها بشأن استعادة جنسيتها. من جانبهم، أعلن محاموها أنهم سيواصلون طرح قضيتها عبر كل مجال قضائي مُتاح أمامهم. الاحتمال الأغلب أن أهل القانون في بريطانيا، وغيرها، يراقبون، باهتمام وعن كثب، المآل الذي سوف ينتهي إليه ملف قانوني غير عادي كهذا؛ كونه يشكل سابقة من شأنها أن تؤثر في مآلات قضايا مشابهة قد تنشأ في المستقبل القريب، أو البعيد.
جانبان شكلا أساس كل نقاش هادئ، أو جدل ساخن، دارا بشأن شميمة بيغوم، ورفيقتيها أميرة عباسي وكاديزا سلطانا، عندما انفجرت قصة التحاقهن بتنظيم «داعش» فيما هن مراهقات في سن الخامسة عشرة، فكان لها دوي انفجار الحدث الصادم. الجانبان تركزا حول ما إذا كانت كلٌ منهن تدري فعلاً ما أقدمت عليه، أم وقعن ضحايا تضليل فكر إرهابي متطرف. اختلاف الرأي حول مدى مسؤولية كل منهن، لم يحل دون اتفاق مراقبين كُثر على مبدأ أن حالتهن هي مثلٌ صارخ على العمق الذي يمكن لمروجي الفكر الإرهابي التسلل إليه بأي مجتمع، حتى لو كان مجتمعاً كما البريطاني، حيث كانت ولادة الفتيات الثلاث ونشأتهن، وفيه توفرت لهن فرصة التعليم بكل مراحله، والعيش مع عائلاتهن في نعيم معقول، نسبياً بالمقارنة مع غيره. التاريخ، بكل المراحل والعصور، يحفل بأكثر من مثال على خطورة جماعات التنطع التي اعتمدت منطق القتل والإفساد في الأرض، بزعم مرفوض ومُضلِل يدعي أنه «جهاد مفروض»، وبالتالي يشرّع تدمير كل شيء يختلف معه، بما في ذلك الحرث والنسل.
كلا، أبداً لن يستقيم اعوجاج الإرهاب باسم الدين الإسلامي مع منهاج الإسلام الحقيقي، مهما حاول المُضلِلون ادعاء غير ذلك، بقصد ترويج سموم أفكار القصد منها اصطياد القُصر، وغير الناضجين فكراً، بل هم وهن غير ملمين أساساً بدينهم القدر الكافي من الإلمام الذي يحميهم من ضلال كهذا، يبرر طيش القتل وسفك الدماء. هذا ما قام عليه تنظيم «داعش»، وما شابهه من تنظيمات سبقته، والتي ربما تتبعه في مستقبل الأيام. وهذا أيضاً ما وقعت المراهقة شميمة بيغوم ضحية له. إنما، كونها إحدى ضحايا ذلك التضليل لن يعفيها من مسؤولية أخطاء عدة ارتكبتها بحق نفسها، ثم أسرتها، وبالتالي الوطن الذي حملت جنسيته.
نعم، أخطأت صبية الخامسة عشرة في حق نفسها، أولاً، حين ألقت أذناً، وأصغت السمع لمثل ذلك الفكر الضلالي، ثم تمادت في الخطأ إذ انصاعت تنفذ ما أُملي عليها، فصار الخطأ خطايا أصابت بالألم أسرتها، ثم المجتمع الذي ترعرت فيه. خطأ آخر تمثل في أن شميمة المراهقة، وقد صارت صبية، ومرت بتجارب عدة في أدغال «داعش»، راق لها أن تحول حالتها إلى شيء من النجومية؛ أملاً في استعادة جنسيتها. لكن ذلك لم يفدها كثيراً، بل لعله أضر قضيتها أكثر مما أفادها. الجدل الآن ينحصر في مدى صواب الإصرار على تجريدها من جنسيتها. أما وقد دخل الأمر أنفاق القضاء والقانون، فمن الصعب إعطاء جواب حاسم، خصوصاً حين تتعلق المسألة بأمن البلاد. شميمة بيغوم ليست وحدها ضحية الفكر الإرهابي، هناك ضحايا كثيرون وكثيرات، ومثلها يتحملون أيضاً، ويتحملن، قدراً من المسؤولية. الأخطر هو حين تغدو شعوب بأكملها ضحية فكر الإرهاب القائم على إلغاء الآخر، وما يجري في فلسطين على أيدي إرهاب المستوطنين، منذ أيام، وطوال سنين، دليل ساطع على سطوة ذلك الشر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شميمة بيغوم الضحية والمخطئة شميمة بيغوم الضحية والمخطئة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 13:33 2020 السبت ,04 إبريل / نيسان

إصابة نجل جوليا بطرس بفيروس كورونا في لندن

GMT 13:50 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

توقيف شقيقين نقلا جثة والدهما إلى منزله في بني سويف

GMT 15:33 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أخطاء شائعة عند تحضير ديكور غرفة المعيشة

GMT 09:10 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

2.9 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع

GMT 09:46 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

حفلة لفرقة "رباعي كوينز" في قصر المانسترلي الخميس

GMT 05:29 2018 السبت ,18 آب / أغسطس

كيف تصالح حبيبتك حين تغضب أو تحزن منك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib