نجلاء تونس وساره بريطانيا

نجلاء تونس وساره بريطانيا

المغرب اليوم -

نجلاء تونس وساره بريطانيا

بكر عويضة
بكر عويضة

ناظرةً إلي عبر عينها الثالثة، أي مرآة سيارتها التي تقودها فيما أجلس في المقعد الخلفي، ردت على تساؤلي، فقالت إنها مسلمة، ثم أضافت أنها تؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها قدر استطاعتها، وإذا تخلفت عن إحداها بسبب ظروف عملها، سارعت تقضي ما فاتها فور عودتها إلى البيت. أشرح التفاصيل لاحقاً. ذلك أن الأولى في الأهمية هو إعطاء أول امرأة تونسية، منصب «الوزير الأول»، كما يعرف رئيس الوزراء في تونس. واضح أن المقصودة هي السيدة نجلاء بودن رمضان، التي فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيد التونسيين، ومعهم العرب أجمعين، بتكليفها يوم الأربعاء الماضي تشكيل حكومة بلادها، لتصبح وفقاً لهذا القرار الرائع أول عربية تضطلع بدور مسؤول على هكذا مستوى بين دول العالم العربي كافةً. فيما مضى من سحيق الأزمان، نسب لفيلسوف الإغريق الشهير، هيرودوت، القول الشائع «من ليبيا يأتي الجديد». حسناً، يحق الآن لأهل تونس الخضراء، ضمن هكذا سياق، دخول ميدان تنافس ودود مع الشقيق الليبي، بالقول إن بلدهم أتى بجديد غير مسبوق إطلاقاً، حين يتعلق الأمر بوضع الثقة بإمكانات سيدة ذات مكانة واحترام من نساء العرب كي ترأس حكومة تقود المجتمع ككل، يتساوى أمامها، في الواجبات كما الحقوق، الذكور مع الإناث. أليس يستحق هكذا حدث أن يوصف بالبديع؟ بلى.

حقاً، يكفي النظر، بقليل من التأمل، إلى ما تعاني أوضاع المرأة في معظم المجتمعات العربية، وأيضاً العالم الإسلامي، بل وعلى صعيد عالمي، من تراجع يريد التقهقر بمكانتها قروناً إلى الوراء، كي يعطى قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، القدر الذي يستحق من التقدير. بالطبع، جدير بالمراقب تذكر حقيقة أن واقع تونس زاخر بما تحقق للمرأة من مكاسب منذ زمن الرئيس الحبيب بورقيبة. بالتأكيد، يرجع الكثير من الفضل إلى ما بذل «المجاهد الأكبر» من جهد مضنٍ استهدف تغيير السائد من طبائع وعادات وتقاليد، لأجل تحقيق أعلى درجات المساواة بين نساء ورجال المجتمع.

من منظور يقارن وضع المرأة في مجتمعين متباعدي المسافات والثقافة والعادات، وجدتني أتوقف أمام جانب شد انتباهي إذ أعلن قرار تكليف السيدة نجلاء بودن تشكيل الحكومة في تونس، فيما كانت تعصف بالمجتمع البريطاني حالة ذعر تسببت فيها جريمة قتل شابة تدعى ساره إيفرارد. جرائم القتل ليست جديدة في حد ذاتها، مؤكد، إنما زاد من وحشية اختطاف الشابة، ثم اغتصابها قبل قتلها، أن المجرم المدعو واين كوزينز، رجل شرطة، وهو متزوج وأب لأطفال. ارتفع منسوب الصدمة أكثر بين الناس عندما جرى بث مقاطع فيديو تظهر توظيف الضابط القاتل صلاحيات البوليس كي يوقف الشابة في الشارع، ثم يضع القيود في معصميها بعدما يتهمها بخرق ضوابط منع فيروس «كورونا»، ثم يختطفها إلى حيث ارتكب جريمته. فظيع ما جرى للشابة ساره. أكيد. لكن الأفظع أيضاً استمرار منهاج غض البصر عن مقدمات ما سوف يقود إلى هكذا نتائج تخض طبقات المجتمع كلها. فقد تبين، لاحقاً، أن بعضاً من الضباط زملاء القاتل أدركوا منذ وقت طويل طبيعة شخصيته، بل إن بعضهم لم يكن يتردد في مناداته بكلمة «مغتصب»، ومع ذلك صمتوا. يحدث هذا، مع شديد الأسف، في أنحاء متفرقة من الأرض، وعندما تقع «الفأس في الرأس» يكون فات الأوان، فتسفك دماء ضحايا أبرياء، وتنهمر الدموع فتفيض أنهر الأحزان، إنما بلا نتيجة، إذ عما قليل سوف يطل نهار بعد الليل، وتمضي الحياة.


نعم، تمضي بالفعل، وهو ما يعيدني إلى السيدة المسلمة التي تسوق سيارة أجرة - يسمونها هنا «ميني كاب» - كانت توصلني، بعد ظهر الجمعة الماضي، من منطقة «إلفورد» بأقصى شرق لندن إلى بيتي، عائداً من واجب السلام على شاب عربي وصل إلى بريطانيا منذ أسبوع بعدما حصل على فرصة عمل كطبيب اختصاصي أطفال. قالت إنها أرملة ولديها طفلة في الثانية عشرة من العمر، وإن والديها غير قادرين على إعانتها، لذا يجب أن تعمل. ألا تستحق شجاعة هذه المرأة، التي لم تزل شابة، أن يُفخر بها؟ بلى، حقاً، وهو تحديداً ما قلته لها، بكل اقتناع تام وإعجاب بعزيمتها، التي تمدها بأسباب الإقدام على هكذا عمل خطر في مجتمع باتت نساء كثيرات فيه، بعد جريمة مقتل الشابة ساره إيفرارد، حذرات حتى في التعامل مع رجال الشرطة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجلاء تونس وساره بريطانيا نجلاء تونس وساره بريطانيا



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib