أيلول فلسطين ويائيل إسرائيل

أيلول فلسطين ويائيل إسرائيل

المغرب اليوم -

أيلول فلسطين ويائيل إسرائيل

بكر عويضة
بكر عويضة

إذن، جرى كل شيء وفق مخطط دقيق. بعد ليلة قصف شديد العنف، تخلله دوي أكثر من انفجار، لم تتردد الجاسوسة، لاحقاً، في الذهاب إلى مجلس العزاء، كما أورد الخبر في عدد «الشرق الأوسط»، أول من أمس، «في ليلة العاشر من أبريل (نيسان) 1973، نجحت وحدة الكوماندوس الإسرائيلية بالتسلل إلى بيروت عبر البحر، وتنفيذ العملية، فيما كانت الجاسوسة تتفرج عبر شباكها. وبعد العملية بقيت في العمارة عدة أيام وشاركت في تقديم العزاء». لسبب لستُ أدري بالضبط تفسيراً له، وجدتني أتساءل؛ تُرى هل أن يائيل (تُكتَب عائيل بالعبرية) أخفت عينيها بنظارة سوداء، خلال وجودها إلى جانب كبار الشخصيات الفلسطينية، وأيضاً اللبنانية، التي حرصت على تقديم واجب العزاء، وهل أن درجة سواد النظارة كانت تناسب مستوى ادعاء عمق الحزن على شهداء حركة «فتح» الثلاثة، الذين هم من أهم قادتها، كمال عدوان، كمال ناصر، ومحمد يوسف النجار؟

حقاً، بين حقائق الواقع ما قد يفوق، أحياناً، قدرات الإبداع، وآفاق التخيل لدى أمهر كتاب سيناريوهات أفلام الرعب. دور جاسوسة جهاز «الموساد» الإسرائيلي، يائيل مان، الراحلة السبت الماضي عن خمسة وثمانين عاماً، في تنظيم عملية «فردان» ببيروت، ثم تنفيذها بقيادة إيهود باراك، يمكن عدها إحدى تلك الحقائق التي قد تبدو أغرب من الخيال فعلاً. لكنها، بالطبع، ليست الأغرب في سجل عمليات التجسس العالمية، ولا خصوصاً فيما يتعلق بزرع إسرائيل جواسيس لها داخل تنظيمات فلسطينية، أمكن لبعضهم الحصول على ما يجيز لهم الجلوس في مواقع كانت قاب قوسين، أو أدنى، أحياناً، من حجرات نوم قيادات فصائل. بيد أن هكذا اختراقات لم تقع حَصراً في ساحات العمل الفلسطيني فحسب، بل وقعت كذلك في أدق المراكز حساسية بعواصم عربية عدة.

مع ذلك، بما يخصني، لم يك ممكناً تجنب إحساس الصدمة فيما تمر بي كلمات مثل: «شاركت في تقديم العزاء». أيمكن لوقاحة الاجتراء عند جاسوسة، أو جاسوس، أن ترقى إلى ذلك المستوى؟ الجواب المنطقي يجب أن يقول؛ نعم، ولكن بشرط. ما هو؟ التمتع بمطلق الثقة أن ثمة مَنْ يعرف حقيقتها بالضبط، مهمته أن يراقب كل عين تراقبها، وأن يوفر لها الحماية حتى لحظة مغادرتها ضفاف المتوسط اللبنانية إلى مطار هيثرو اللندني. أوَ يكون ذلك العارف فلسطينياً، أو ربما كان لبنانياً؟ نعم، إذ الأرجح، منطقياً، أن عيناً كانت تطلع على ما يدور داخل دوائر حركة «فتح» الأمنية أمكن لها توفير أقصى حد متاح من التغطية لكل تحركات الجاسوسة يائيل. بصرف النظر عما انتهت إليه تحقيقات أجهزة الأمن اللبنانية، في عملية «فردان» ببيروت - أو التونسية، بشأن ما يتعلق باغتيال ثلاثة قادة فتحاويين كبار كذلك، هم كل من خليل الوزير (أيضاً بإشراف إيهود باراك)، ثم صلاح خلف، وهايل عبد الحميد - سوف يبقى طي الكتمان سرٌ ما يتوارى وراء ضباب التكتم عليه شبح مَنْ قدم التسهيلات مِن داخل الجسم الفلسطيني، حتى يتم تنفيذ تلك الاغتيالات على أفضل ما يمكن.

جانب ذاتي ثان لم يكن بوسعي إغفال حضوره فيما أقرأ خبر رحيل الجاسوسة يائيل مان، إذ يستحيل على المرء، أحياناً، إقفال صندوق الذاكرة تماماً، حين يصر حدث آني على نبش المخبأ داخله. صيف عام 1970، قبل أسابيع من اندلاع حرب سبتمبر (أيلول) الفلسطينية - الأردنية، كان القيادي كمال عدوان مسؤولاً عن أجهزة إعلام «فتح» في الأردن، عندما غادرت بنغازي، حيث كنت أعمل محرراً بصحيفة «الحقيقة»، إلى عمان كي ألتحق محرراً بجريدة «الثورة»، يوم كان رئيس تحريرها حنا مقبل، الذي اُغتيل، لاحقاً، هو الآخر، إنما ضمن صراعات فتحاوية. طوال خمسة أيام رحتُ أطلع كل صباح إلى الجبل حيث كان المقر، فأمكث حتى المساء، أنتظر أن يُتاح لي لقاء كمال عدوان، إنما بلا نتيجة، بسبب الانشغال في اجتماعات متواصلة. إذ ذاك، ارتأيت تأجيل الأمر برمته، فعدت إلى عملي. خلال أيام انتظاري تلك، كنت أتابع ما يجري بين الحُراس المدججين بالسلاح، من أخذ ورد في الكلام فيفاجئني كمْ ومستوى الإسفاف في الحديث المتبادل بين أغلبهم. الواقع أنني بعد ما رأيت، وما سمعت، لم يكن صعباً توقع الكارثة التي كانت تحث الخطى على الطريق. التفاصيل؟ ربما تتبع في مقال لاحق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيلول فلسطين ويائيل إسرائيل أيلول فلسطين ويائيل إسرائيل



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib