أوكرانيا ليست نُزهة سوريا

أوكرانيا ليست نُزهة سوريا

المغرب اليوم -

أوكرانيا ليست نُزهة سوريا

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

في سوريا، كما في غيرها من دول عربية عدة، تُعطى ضواحٍ في المدن والقرى اسم «حي النزهة». الأرجح أن اختيار ذلك الاسم تحديداً، من جانب مجالس البلديات المحلية، التي تختص بهكذا أمر، جرى لسبب يتعلق بفسحة الشوارع في تلك الضاحية، مما يتيح للناس فرص المشي بقصد التنزه، واستنشاق نقي الهواء الطلق، بعيداً عن ضوضاء أبواق السيارات، وصخب مراكز التسوق في مركز أي مدينة أو قرية. يجري، أحياناً، اللجوء إلى وصف «النزهة» ذاته عند توجيه تحذير، في المستوى الفردي، لشخص ما، أو لطرف دولي، وربما إلى لاعب مهم في ساحات اللعب السياسي عالمياً، بهدف لفت النظر إلى خطورة ما قد يقدم عليه ذلك الفرد، أو النظام، من خطوات تبدو مرجحة في ضوء ما سبقها من مقدمات، فيُقال للمعني أن الأمر لن يقتصر على مجرد نزهة، بل المؤكد أن تترتب على خطوة كتلك عواقب لها تأثيرات خطرة، على الأغلب سوف تتعدى النطاق الذاتي إلى الإطار الإقليمي، أو العالمي.
بالطبع، تردد هكذا تعبير على مسامع الناس في مختلف أنحاء الكوكب خلال ما مضى من أواخر العام الماضي، ومطالع العام الجديد، موجهاً بالتحديد إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو توجه صحيح، إذ من الطبيعي أن تتجه أنظار المعنيين بالسلم العالمي، في العالم كله، تقريباً، نحو سيد الكرملين، في انتظار خطوة موسكو المقبلة بعد الحشود الضخمة، التي قُدرت بما يفوق مائة ألف جندي، والتي توجهت إلى مناطق الحدود بين روسيا وأوكرانيا، بما أوحى بقرب غزو روسي للجارة الأوكرانية. هل يُقدم قيصر الكرملين على هكذا تصرف «أحمق»، كما يبدو في نظر كثيرين، خصوصاً في الولايات المتحدة، وفي عواصم دول حلف «الناتو»، عموماً، لكن النظر إليه سيختلف، على الأرجح، في مناطق عدة من العالم، وعلى وجه التحديد حيثما يوجد حنين إلى زمن الاتحاد السوفياتي، عندما لم يكن الغرب مستفرداً بالقرار الدولي، على النحو الذي صار إليه بعد سقوط جدار برلين، وتفكك إمبراطورية السوفيات، بانهيار حلف وارسو.
سوريا - كما هو معروف لكل من درس فسيفساء التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، طوال النصف الثاني من القرن الماضي - واحدة من تلك الدول التي أخل سقوط الاتحاد السوفياتي بمجمل التوازنات التي تقوم عليها أساسيات الحكم فيها، إضافة إلى خرائط علاقاتها الإقليمية، وكذلك الدولية. في ضوء ذلك، يمكن تخيل كم سيكون مبهجاً للحكم السوري القائم حالياً أن يرى القدم الروسية تقتحم الحدود الأوكرانية، كما لو أنها تعيد إحياء تلك الصورة التي اختفت منذ زمن بعيد، وتعلن عودة العالم إلى أيام هيمنة قطبين، البيت الأبيض في واشنطن، مقابل الكرملين في موسكو. ذلك نوع من خيال الأماني لم يزل يراود بعض ذوي التفكير الرغبوي. لكن، انطلاقاً من حكمة تقول إن المرء يجب أن يتجنب نهائياً القول على نحو حاسم إن أمراً ما لن يقع مطلقاً، الأفضل ألا أقع في هكذا حسم، إنما في الآن نفسه يمكن المجازفة بالقول إن مثل ذلك الأمل الرغبوي هو أقرب إلى المستحيل منه إلى واقع ما يجري على الأرض.
نعم، نجح فلاديمير بوتين في إعادة فرض الوجود الروسي على أكثر من أرض عربية، بدرجات مختلفة، بعدما كاد يختفي تماماً. وصحيح أن سوريا كانت البوابة الأوضح رؤية، والأقوى تأثيراً، في تأكيد العودة الروسية إلى المنطقة، خصوصاً منذ بدء تدخل السلاح الروسي (30-9-2015) جواً وبراً وبحراً، فيما يجري من معارك على الأرض السورية، الأمر الذي أعاد رسم قواعد الحرب ككل، لكن رد الفعل الغربي على ذلك التدخل، آنذاك، لن يصلح مقياساً للبناء عليه، الآن، في توقع حجم ردود دول حلف «الناتو» على غزو روسي لأوكرانيا. كلا، الأرجح أن تدخل بوتين في سوريا سوف يبدو مثل نزهة حين يُقاس بإقدام سيد الكرملين على غزو أراضي أوكرانيا. في الوضع السوري، لم يبدُ الغرب مهتماً بردع موسكو على النحو الذي يحول بينها وبين تحقيق هدفها لجهة تثبيت الحكم في دمشق، لذا اكتفى بالزعيق أكثر من الفعل. أما في الشأن الأوكراني فمن الواضح أن التقييم مختلف كثيراً. الأمر في أوكرانيا يتعلق بمستقبل «الناتو» ذاته، وبمجمل هيبته. خطوة بوتين المقبلة؟ سؤال يتردد على كل الألسنة، أما الجواب فهو الأصعب أمام الجميع أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا ليست نُزهة سوريا أوكرانيا ليست نُزهة سوريا



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib