إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

المغرب اليوم -

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

يوماً تلو الآخر، تثبت إسرائيل أنه لا دالة لها على السلام، لا بمفهومه الشامل والعادل دفعة واحدة، ولا حتى عبر خطوات مرحلية أولية تساعد في بناء حالة من الثقة، يمكن المراكمة عليها. تبدو حكومة بنيامين نتنياهو وكأنها ماضية قدماً في بناء الجدران والأسوار العالية مرة جديدة، ورافضة لفكرة الجسور، التي وصفها الأديب اليوغسلافي الراحل إيفو أندريتش، في روايته الرائعة «جسر على نهر درينا»، بأن «الله صنعها بأجنحة الملائكة، ليتمكن الرجال من التواصل عبرها». الجسور تعزز التواصل الإنساني، وتشرع الأبواب للسلام، فيما الجدران، تكرس العزلة، وتجذر للكراهية والحروب والخصام.

أغلقت إسرائيل أبوابها في وجه الوفد الوزاري العربي المنبثق عن القمة العربية الإسلامية، الذي كان من المفترض أن يزور رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في رام الله نهار قبل أيام. إسرائيل اعتبرت أن الزيارة تكرس وتروج لفكرة الدولة الفلسطينية، باعتبارها كياناً إرهابياً في تقدير جماعة رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا سيما وزير الدفاع كاتس، وبقية الطاقم اليميني المتطرف. بالنظر إلى القانون الدولي، منعُ إسرائيل الوفد الوزاري العربي، خرقٌ فاضح لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة على الاحتلال، ويعكس حجم غطرسة حكومتها، وضربها عرض الحائط بالنواميس الإلهية والشرائع الوضعية. تبرعُ إسرائيل في ابتكار تعبيرات خارج إطار الواقع، كقول أحد مسؤوليها إن «الاجتماع الذي كان من المفترض أن يجمع الوفد، استفزازي، لأنه يتناول شأن إقامة دولة فلسطينية، وإسرائيل التي تسيطر على كل المنافذ إلى الضفة الغربية لن تتعاون مع خطوة كهذه تهدف إلى الإضرار بها وبأمنها».

نعم، لا مجال في ذهن القائمين على حكومة نتنياهو لعدالة تقود إلى سلام. ألم يتحدث كاتس نفسه قبل أيام عن بناء إسرائيل الدولة اليهودية الإسرائيلية في الضفة الغربية، غداة إعلانه عن تحويل 22 بؤرة استيطانية إلى مستوطنات رسمية، تغير الطبيعتين الجغرافية والديموغرافية للأراضي الفلسطينية؟ محاولات إسرائيل مستمرة ومستقرة في الحصار المالي للضفة الغربية من جهة، وتقطيع أوصالها من جهة ثانية، ومحاصرة الفلسطينيين في الضفة والتضييق عليهم، وتهويد مدينة القدس وتغيير معالمها وملامحها.

هل تخشى إسرائيل من السلام وتجد ذاتها في الهرب إلى الأمام عبر الحروب والدماء؟ آخر الرؤى الإسرائيلية التي تقطع بأن تل أبيب تعيش في قلب الغيتو بالمعنى المادي وليس الأدبي والروحي المجردين، إعلانها عن توجه لبناء جدار من 425 كيلومتراً يفصلها عن الأردن والضفة الغربية، وهو أمر يتطلب موافقة من السلطة الفلسطينية بصفتها الجهة الشرعية المسؤولة عن تلك المنطقة، ويفترض الانتهاء منه خلال 3 سنوات. قرار المستوطنات والجدار الفاصل، في الضفة، يعكسان نيات إسرائيل الحقيقية في العيش بمعزل عن جوارها الفلسطيني أولاً، والعربي ثانياً، والمثير أنها، وحتى الساعة، لا تدرك أنها تحاول إعادة الزمن إلى ما قبل ألفي عام، حين كانت الأسوار العالية تحيط بأورشليم، ولم توفر لها الأمن ولا الأمان في زمن الرومان. عزلة إسرائيل تتفاقم، لا سيما بعد أن سقطت آخر أوراق التوت، فقد قدم العالم العربي، ومنذ عام 2002، المبادرة العربية للسلام، الفرصة المؤكدة الضائعة، ولاحقاً بدا وكأن هناك إرهاصات لمحاولات سلام في المنطقة بدعم أميركي، لكن حكومة نتنياهو من الواضح أنها تتطلع لكتابة شهادات وفاة لكل تلك المحاولات، ووأد كل الأحلام بمسارات طبيعية مع الدول العربية.

ربح الوفد الوزاري العربي، وخسرت إسرائيل، التي تتفاقم عزلتها الدبلوماسية يوماً تلو الآخر، لا سيما بعد سردية الآلام الغزاوية، التي باتت عار العالم الحديث، جوعاً، وقتلاً، وتشريداً، ومعها تبقى كل محاولات التهدئة والسعي لوقف إطلاق النار، نحاساً يطن أو صنجاً يرن. أميركياً؛ تفقد إسرائيل بشكل مؤكد قطاعاً واسعاً من الرأي العام، الذي استيقظ على البشاعات غير الإنسانية، وحكومياً؛ يبدو أن إدارة الرئيس ترمب باتت لديها شراكات عربية – عربية تمثل لها آفاقاً مستقبلية، لا تقل أهمية عن تل أبيب. الاتحاد الأوروبي من جهته يعلن أنه سيعيد النظر في علاقاته التجارية مع إسرائيل، بينما المملكة المتحدة توقف المحادثات بشأن توسيع اتفاقية التجارة مع إسرائيل، أما ألمانيا وفرنسا، فقد هددتا باتخاذ إجراءات سريعة إذا ظلت الأزمة الإنسانية في غزة قائمة وقادمة. يتساءل البعض: لماذا لا تعير تل أبيب التفاتاً إلى العالم؟ باختصار، لأن كل ما سبق، إنما جاء في إطار ردات الفعل الأدبية، فيما الإجراءات المادية على الأرض لم تطفُ بعد، لكن يبدو أنها لن تتأخر طويلاً.

إسرائيل لا تعرف ما هو لسلامها، ولا تنتظر بعد زمان افتقادها. فإلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس



GMT 16:09 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حرب «عاجل» والغبراء

GMT 16:08 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية إلى أين؟

GMT 16:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

عن العقل العربي الغائب

GMT 16:06 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

ترمب... يمتطي حصان الحرب

GMT 16:05 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

المشرق العربي... البولندي

GMT 16:03 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

تأجيلُ مؤتمرِ سلامٍ مؤجَّلٍ

GMT 16:02 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حسابات توازن القوى

GMT 16:01 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الإيمان والمستقبل...الدين وبناء السلام

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته
المغرب اليوم - توم كروز يحصل على أول جائزة أوسكار فخرية في مسيرته

GMT 02:17 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

القبعات القش تتصدر قائمة أحدث صيحات الموضة

GMT 05:46 2020 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

شركة "لفيت" تنافس بأقوى سيارات الدفع الرباعي في العالم

GMT 10:29 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل ألوان احمر الشفاه لشتاء 2020

GMT 15:59 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "هوندا" تكشف عن سيارة تعتمد على الذكاء الاصطناعي

GMT 17:56 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

اللاعب محمد الناهيري يعود إلى الفتح الرباطي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib