ممداني اختبار للديمقراطية الأميركية

ممداني اختبار للديمقراطية الأميركية

المغرب اليوم -

ممداني اختبار للديمقراطية الأميركية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

هل باتت الديمقراطية الأميركية أمام اختبار جديد، ضمن اختبارات متوالية، موصولة بروح الديمقراطية الأميركية، ومساءلة في الوقت ذاته عمّا تبقى من فكرة الحلم الأميركي؟

المؤكد أن قصة «الفتى ممداني» الذي غيّر الأوضاع وبدّل الطباع في نيويورك، بابل العصر الحديث، تدفعنا في طريق البحث عن جواب لعلامة الاستفهام المتقدمة.

زهران كوامي ممداني، المولود في غانا، لأب هندي أوغندي مسلم، وأم بنجابية هندوسية، والمهاجر في عمر السابعة إلى الولايات المتحدة الأميركية مع والدَيْه، يكاد يلمس النجوم في مدينة التفاحة الكبرى بيدَيه، بعد فوزه نهار الأربعاء الماضي، بالانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة المدينة.

الخبر مثير، فكيف لشاب لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره، وذي ميول يسارية، وبشرة غير بيضاء أن يهزم رجالات «الواسب» في عقر دارهم؟

تبدو قصة ممداني مركبة وليست بسيطة، وتحمل إشارات أكثر إثارة لأميركا القادمة، رغم الغبار الذي أثارته ولا تزال حركات من نوع «ماغا» أو «جعل أميركا عظيمة» مرة أخرى.

من الواضح بداية أن ممداني لم يستعمل شعارات آيديولوجية، ولم يتعاطَ برؤى دوغمائية، بل بحث عما ينفع الناس، من دون محاصصة عرقية أو دينية، من نوعية تخفيض أو تثبيت الإيجارات، وحافلات مجانية، وتأمين، ورعاية شاملة للأطفال؛ أي تخفيف أعباء الحياة عن كاهل أرباب الأسر الفقيرة والمتوسطة.

غالب الظن أن الذين صوّتوا لممداني، انطلقوا من مفاهيم ملموسة ومحسوسة، وبعيداً عن نقاشات غرف الفنادق المكيفة. ناخبون متعطشون لرؤية أكثر تفاؤلاً للمدينة، صوّتوا لشاب في مقتبل العمر، يملك رؤية أكثر تفاؤلاً، لا سيما بعد أن سئم النيويوركيون من فساد الطبقة الحاكمة، من عينة منافسه كومو.

والشاهد أننا هنا أمام لحظة كبيرة في تاريخ أميركا؛ لكنها لحظة معاكسة لما رآه الرئيس ترمب، حيث عدّ أن ما يجري تحول جذري نحو اليسار المتطرف.

والواقع أن تصويت مواطني مدينة رأسمالية كبرى بقدر نيويورك، التي يبلغ ناتجها الإجمالي نحو 1.43 تريليون دولار سنوياً، لمرشح يساري النزعة، هو انقلاب وتغيّر مفصلي، على الضد من الليبراليين الجدد وكبار الرأسماليين البراغماتيين.

فوز ممداني بالانتخابات التمهيدية شكّل بالفعل مفاجأة صادمة لخبراء استطلاعات الرأي، أولئك الذين فشلوا في التقاط الطاقة والوهج المنتشرَيْن من حول الشاب الواعد، كما أخفقوا بأكبر قدر في رؤية أو قراءة حماسة الناخبين الشباب الذين خرجوا بأعداد كبيرة للانتخابات ذات الإقبال العالي.

بدا الفوز مزلزلاً للقواعد التقليدية للحزب الديمقراطي، وهي التي ما انفكت تتطلّع إلى التعافي من خسائر عام 2024، لا سيما أن هناك من يتوجس خيفة من أن يؤدي فوز ممداني النهائي بمنصب عمدة نيويورك، إلى الإضرار بشعبية الحزب على المستوى الوطني، خصوصاً أن الجناح التقدمي في الحزب يرى أن صيغة ممداني الواقعية غير الهيولية أو المخملية، المتخفية تحت الشعارات البراقة من نوعية «جعل أميركا عظيمة»، يمكن أن تنتشر خارج نيويورك، وربما تجد لها رجع صدى في الساحل الغربي تحديداً، وعند كاليفورنيا التي تشاغبها صباح مساء كل يوم مؤخراً، أعلام وأحلام الكونفدرالية مرة جديدة، وكأن الزمن يعود إلى الخلف ولا يتقدم إلى الأمام.

التقليديون في الحزب الديمقراطي يرون ممداني رجلاً صاحب تاريخ سامٍ، ولهذا انطلقوا بسرعة الريح بحثاً عن أي تصريحات تدينه، وكان من الطبيعي أن يتركز الأمر على جهاز الشرطة في الداخل، وعلى رؤيته لإسرائيل في الخارج، ولهذا عدّوا فوزه خطيراً لحزب يعتمد نجاحه الوطني على قدرته على جذب الأصوات في الأماكن الأقل تقدمية في جميع أنحاء البلاد.

ممداني الديمقراطي، عضو الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، يُعد خبراً سيئاً جداً للحضور اليهودي الفاعل والنشط جداً في نيويورك المكتظة بهم، وقد تعلّلوا بتصريح له، في أكتوبر (تشرين الأول) 2023: «السلام العادل والدائم لا يمكن أن يبدأ إلا بإنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري»، لينطلقوا في طريق معاكس لفوزه، لكن ذلك لم يمنع مواطني نيويورك من حسم المشهد، مما دفع قضية الهجرة إلى أن تطل مرة جديدة من نافذة الأحداث.

هذا الفوز أحدث جلبة كبيرة ضمن سياقات المؤثرين في حركة «ماغا» حيث عدّوا الأمر نتاجاً طبيعياً للتعددية الثقافية التي أفرزتها تيارات الهجرة إلى أميركا، وكأنهم هم أصحاب الأرض، وليسوا أجيالاً مهاجرة بدورها.

لم يوفّر الكثيرون معتقده الديني، مشككين في ولائه انطلاقاً من إسلامه، فعلى سبيل المثال نشر تشارلي كيرك، اليميني بامتياز على منصة «X» كلمات مسمومة وربطها بممداني مسترجعاً أحداثاً مؤلمة جرت في نيويورك في 2001.

هل ستنتصر أميركا الديمقراطية على أميركا الأصولية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ممداني اختبار للديمقراطية الأميركية ممداني اختبار للديمقراطية الأميركية



GMT 18:44 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

تاريخ النسيان

GMT 18:42 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

سوريا بين المشكلة والإشكالية

GMT 18:40 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

الجهل نعمة!

GMT 18:37 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

ترمب و«رقصة الفالس الدبلوماسية»

GMT 18:35 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

الفن والدين!!

GMT 18:33 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

شهاب والـ«تيك توكرز»

GMT 18:32 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

مبادرة عتبات الياسمين!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:16 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

ناسا تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر
المغرب اليوم - ناسا تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:02 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

المغرب يعد دراسة جديدة لتطوير معايير البناء

GMT 03:53 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

التشكيلة الرسمية للوداد الرياضي أمام الحسنية

GMT 21:19 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء غير حماسية خلال هذا الشهر

GMT 18:05 2025 الثلاثاء ,01 تموز / يوليو

ليونيل ميسى يدرس الرحيل عن إنتر ميامي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib