في انتظار ترمب

في انتظار ترمب!

المغرب اليوم -

في انتظار ترمب

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

انتظار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لن يكون مثل «انتظار غودو» في المسرحية الشهيرة، التي ألَّفها صمويل بيكيت في مسرح العبث واللامعقول، حيث «غودو» لا يأتي، وإنما موعد وصول ترمب إلى مقعد القيادة محدد بالعشرين من يناير (كانون الثاني) الحالي، كما أن ترمب قد أعدَّ للأمر احتفاله بعدما توالت عليه التبرعات من كبار المليارديرات لكي يكون الاحتفال لائقاً.

ترمب سوف يدخل إلى مسرح السياسة، بينما ظنَّ المراقبون أنهم يعرفون عنه كل شيء، فالرجل انكشف جنسياً وسياسياً على مدى 4 سنوات عاش خلالها في البيت الأبيض. وفي السنوات الأربع التالية تولَّت المحاكم الأميركية المتنوعة الكشفَ تفصيلياً عن الجانب المظلم الذي تزدحم فيه حقائق غير معروفة من قبل، ومع ذلك فإن الغموض في ملفات الرئيس الجديد - القديم لم يؤثر في وضوح نجاحه الساحق في الانتخابات الرئاسية التي لم يقل فيها شيئاً جدياً إلا إهانة رئيس الدولة، ومنافسته في الانتخابات نائبة الرئيس كامالا هاريس. الوعود كان فيها كثير من المبالغة؛ من وقف الحروب، إلى تخفيض حجم الحكومة، إلى فرض الجمارك على الخصوم والحلفاء معاً. تصريحات ترمب طوال فترة الانتخابات كانت تهدم البناء الذي أقامته الولايات المتحدة في الداخل والخارج بعد الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك سوف يدخل ترمب خشبة المسرح بمفاجأة لم تحدث في التاريخ الأميركي منذ انتهاء الحرب، وهي إعلانه الرغبة في استرجاع قناة بنما إلى السيطرة الأميركية، وشراء جزيرة غرينلاند كما فعل أسلافه القدامى بشراء لويزيانا من الفرنسيين، وألاسكا من الروس، أما كندا فسوف تكون الولاية الـ51 في الاتحاد الأميركي. كان الظنُّ أن التوسع الأرضي هو آخر ما يفكر فيه الأميركيون ما دام لديهم ما يساوي قارةً بأكملها؛ ولكن ذلك كان ما حدث حينما توالت إعلاناته أولاً عن فرض الجمارك ليس فقط على الصين وإنما معها الحلفاء من الأوروبيين، والجيران؛ كندا والمكسيك.

لمَن عاش الاحتفالات الخاصة بالرؤساء الجدد منذ جون كيندي حتى الآن على الأقل سوف يجد أن «زفة» الرئيس سوف تحفها نوعية جديدة من الأغنياء المنتمين إلى الثورة التكنولوجية والعلمية الرابعة التي ابتلعت الثالثة، المعلوماتية، في إناء واحد للذكاء الاصطناعي وتفريعاته التي تجري بقرب سرعة الضوء. في مشهد الانتخابات كان إيلون ماسك نجماً، وهو الرجل الذي قدَّم أكثر من 200 مليون دولار لترمب في أثناء حملته الانتخابية، ولكن هذا المبلغ أسفر عن إضافة 12 مليار دولار إلى ثروته يوم ظهور نتيجة التصويت، ولكن بعد شهرين فإن ثروة ماسك ازدادت بمقدار 239 مليار دولار لكي تصل ثروته إلى 468 مليار دولار. هذه الأرقام تنسحب على جميع القادة العظام للثورة التكنولوجية المعاصرة الذين توالوا على قصر ترمب الفخيم في مارا لاجو لتناول العشاء. أسماء مثل مارك زوكربيرغ وجيف بيزوس تضخَّمت ثرواتهم بمجرد نجاح ترمب، وحاز الخمسة الأوائل منهم 542 مليار دولار. هذه الصورة تختلف كثيراً عمَّا كان شائعاً أن الديمقراطيين الذين قاعدة تأييدهم تأتي من السواحل الزرقاء الأميركية؛ حيث توجد قواعد الابتكار؛ وهي تشير لنا في الوقت نفسه إلى أن ترمب لم يغيِّر الحزب الجمهوري من حيث الصفات، وإنما قلبه رأساً على عقب مولد نخبة جديدة سوف تحيِّر المؤرخين في التاريخَيْن، القريب والبعيد معاً.

الملاحظ أن ترمب القادم لا تنطبق عليه قواعد التنبؤ بسياساته، التي جرى استخدامها لعقود سابقة، ومنها الاستدلال من خلال فحص المجموعة التي اختارها الرئيس للقيادة معه سواء هؤلاء «السكرتارية» أي الوزراء في الحكومة، أو المستشارين الذين يختارهم في مؤسسة الرئاسة. معضلة التنبؤ مع ترمب أن القادمين معه مهما كانت تخصصاتهم فإن ما يجمع بينهم جميعاً هو الولاء للرئيس السابق سابقاً، والقادم حالياً. خطب ترمب تقف على الهواء ما بين الحقيقة والخيال، وهي مساحة لا يمكن لوسائل التحليل المتفق عليها من استطلاعات الرأي العام، أو النظر من زاوية العلوم السياسية أو الاقتصادية، أو حتى من خلال تحليل السمات البيولوجية المسماة «بايو بوليتكس (Biopolitics)» أن تصل إلى ما ينوي الرئيس الجديد أن يفعله. هو أقوى كثيراً من «غودو» لأن قوته يستمدها من الغموض النابع من حالة واضحة على صفحات شبكته للتواصل الاجتماعي «الحقيقة (Truth)» أو لشبكة «X» الخاصة بصديقه إيلون ماسك، الذي لا يسهم في رسم السياسات العامة فقط، أو القيام بتحقيق «الكفاءة» للجهاز الإداري للاتحاد الأميركي؛ وإنما أكثر من ذلك من خلال التدخل في عمليات صنع القرار داخل الكونغرس بعد السيطرة الكاملة من الجمهوريين على مجلسَي النواب والشيوخ معاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في انتظار ترمب في انتظار ترمب



GMT 19:25 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 19:24 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

شاهد عيان على الاستطلاع

GMT 19:23 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

يوم الفرار الرهيب

GMT 19:21 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الفرق بين ترمب ونتنياهو

GMT 19:20 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

اعتدال «طالبان» ولمْع السراب

GMT 19:19 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

هل السلام مستحيل حقّاً؟

GMT 19:18 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الأخطر من تسجيل عبد الناصر

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 21:49 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 04:44 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

تشدين خاص لسيارات "فيراري دينو" يومي 10 و11 حزيران

GMT 03:22 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فيليكس يدعم التشكيل الأساسي لأتلتيكو مدريد ضد برشلونة

GMT 10:47 2019 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الوداد ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة المريخ السوداني

GMT 17:25 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

المعكرونة بصوص الجبن الرومي والشيدر اللذيذ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib