بقلم - عبد المنعم سعيد
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى أشار فيها الرئيس ترامب إلى سد النهضة، وكيف أن الولايات المتحدة ساهمت فى بنائه؛ ومن ناحية أخرى أن مياه النيل حيوية للشعب المصرى الذى لا يوجد لديه مصدر آخر للمياه. تاريخيًا كان النيل الخالد منبعًا للهوية المصرية التى تكونت على أكثر من سبعة آلاف عام؛ وكان سببًا فى توحيد الدولة بين الشمال والجنوب؛ وأكثر من ذلك قيام حضارتها فى جوانبها المعيشية والحضارية.
لم يختلف الأمر فى العصر الحديث عما كان عليه فى أى وقت آخر؛ وكان النيل هو هم أول لكل من حكم مصر. الأسرة العلوية منذ الوالى محمد على حتى الملك فاروق أنشأوا الترع والقناطر وخزان أسوان التى وسعت من الطاقة الزراعية المصرية، فى بلد بدأ مع التقدم فى الزيادة السكانية.
الضباط الأحرار وضعوا فى مطلع زمنهم مشروع السد العالى لحماية مصر من العطش فى زمن الجفاف الشديد، وتحويل زراعة رى الحياض الموسمية إلى الزراعة مع الرى الدائم والمنتظم. فى زمن ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والرئيس عبدالفتاح السيسى فإن مصر تشق نهرا آخر فى الصحراء الغربية وتضاعف مساحة الأرض الزراعية. وبينما تفكير مصر يدور حول التنمية والمزيد منها فإن إثيوبيا استغلت ثورة يناير٢٠١١ لكى تبدأ مسيرة سد النهضة دون توافق بين دولة المنبع ودول المصب مصر والسودان.
كان وراء ذلك مخالفة إثيوبية كبرى، وهى أنها لا تعتبر نهر النيل نهرا دوليًا(!) وإنما هو مجرى مائى يخضع للسيادة الوطنية لمنابعه(؟). معالجة ذلك مصريًا بدأ بمشهد كوميدى لاجتماع عقده الرئيس محمد مرسى مع نصرائه من الإخوان وتابعيهم. وأمام كاميرات التليفزيون شاهد العالم مباراة ما بين الحاضرين حول الخطط العسكرية الواجبة فى البر والبحر لتدمير السد.
كان ذلك كارثة سياسية وإعلامية وأخلاقية فى دول إفريقية رائدة لم يتم تصحيحها إلا عندما وقعت مصر اتفاقية إعلان المبادئ التى مثلت كما يدل اسمها قواعد التفاوض التى أكدت على مبدأ عدم الإيذاء للأطراف المعنية.
وكان النصر الثانى الذى حققه الرئيس السيسى هو الدفع بالموضوع كله إلى مائدة التفاوض فى حضور الولايات المتحدة والبنك الدولى اللذين شهدا على اتفاق وقعته مصر ولكن إثيوبيا لم تحضر ساعة التوقيع وبدأت فى ملء خزان السد.
كانت العناية الإلهية حامية لمصر خلال أكثر من عشر سنوات حيث كان النيل معطاء دائمًا فى تحقيق الامتلاء فى خزان سد أسوان العالى ومفيض توشكى الإضافى. وبينما كان العطاء يأتى فى اتجاه مصر، عاشت إثيوبيا فى ظل أشكال مختلفة من الحرب الأهلية وعدم القدرة على الاستقرار فى ميناء على المحيط الهندى أو البحر الأحمر.
الآن فإن تصريحات الرئيس ترامب تبدأ طريقًا آخر ثمنه الرئيس السيسى من شاهد يجد فى قضيتنا سبيلًا إلى جائزة نوبل التى سوف يستحقها آنذاك.