بقلم - سليمان جودة
دعانى الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، إلى المشاركة فى ندوة نظمتها المكتبة عن محمد بن عيسى، مؤسس منتدى أصيلة الثقافى الدولى فى المغرب.
وعندما يقال عن بن عيسى إنه مؤسس منتدى أصيلة، فالإشارة هنا إلى منتدى لا نظير له فى عالمنا العربى، من حيث قدرته على أن يواصل مهمته منذ أن تأسس فى ١٩٧٨ إلى أن رحل الرجل آخر أيام فبراير. رحل بعد أن كان قد نظم الموسم السنوى الخامس والأربعين للمنتدى. وهذا لا بد أن يلفت انتباهنا إلى أن القدرة على الاستمرارية سبب مهم من أسباب النجاح فيما يكون علينا أن نفعله.
كان بن عيسى عضوًا فى مجلس أمناء المكتبة، ولم يكن هذا هو السبب الوحيد الذى دعا الدكتور زايد إلى أن يحتفى به، وباسمه، وبرحلته مع العمل الثقافى الممتد، ولكن كانت هناك أسباب أخرى من بينها أنه - يرحمه الله - عاش على يقين بضرورة حضور العمل الثقافى بين الناس، وعاش قادرًا على أن ينقل هذا اليقين لديه من عقله إلى الواقع الحى.
ولأنه حصل على جانب من تعليمه فى المحروسة، فإنه عاش ممتنًا لها طول الوقت، وعاش يقول إن مصر لا بد أن تكون مضيئة على الدوام، وإنه لا شىء يضيئها إلا ثقافتها بالمعنى العام لكلمة الثقافة. كان إذا جلس مع أصحابه وجد نفسه يدندن بأغنيات يحفظها لأم كلثوم، وعبدالحليم، وعبدالوهاب، وكان يندمج مع ما يغنيه كما لا يندمج مع شىء سواه، وكان واحدًا من نبلاء الثقافة والسياسة فى هذا العصر، وكان الجمع فى حياته العملية بين وزارتى الثقافة والخارجية فى بلاده قد صاغ عقليته على صورة فريدة.
وحين خرجنا من ندوة النبيل الراحل، وجدنا أنفسنا بين جمهور المكتبة نتجول فى أجنحة معرضها السنوى للكتاب.
وقد استطاع الدكتور زايد أن يحوّل المعرض إلى حَدَث ثقافى يتميز بالتنوع والثراء، فلا يقتصر دور المكتبة على استضافته فوق أرضها، وإنما يصاحبه نشاط ثقافى يدعو الجمهور إلى أن يكون حاضرًا، ومشاركًا، ومتفاعلًا، لعل ذلك يُنير البلد على نحو ما كان بن عيسى يرى ويدعو.
كنا على موعد هناك مع جائزة المكتبة للقراءة، وكان الاحتفال بها احتفالًا بمائة شاب وشابة فازوا بجوائز القراءة التى بدأت قيمتها المادية من مائة ألف جنيه وانتهت بثلاثة آلاف. وقد تمنيت لو أستطيع نشر الصورة التى جمعت الفائزين مع مدير المكتبة وضيوفه، ولو أنت رأيت الصورة فسوف يدعوك للتفاؤل أن يكون كل هؤلاء الشُبان والشابات قد قرأوا وقد فازوا.
والمعنى أنه لا بديل عن القراءة، لأنها عُمر مضاف للإنسان، ولأنها الخطوة الأهم فى معركة الوعى، ولأننا بغير وعى بما حولنا كمن يمشى معصوب العينين. وليس المائة شاب وشابة سوى مائة شعلة تضىء طريقنا إلى مستقبل لا بديل عن الذهاب إليه.