المنايا التي يتّقيها الغرب في النيجر

المنايا التي يتّقيها الغرب في النيجر

المغرب اليوم -

المنايا التي يتّقيها الغرب في النيجر

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

يشتهر الذئب بين الحيوانات بأنه ينام بعين واحدة، وأنه إذا نال منه التعب أغمض إحدى عينيه ليأخذ قسطاً من الراحة، وأبقى الأخرى يقظانة لا تنام. ولا يُعرف ما إذا كانت هذه حقيقة علمية، أم أنها إشارة إلى أنه يبقى منتبهاً على الدوام، وأنه لا يغفل عما حوله حتى ولو كان يغط في نوم عميق؟    

والشاعر العربي كان قد استوقفته هذه الصفة الفريدة التي لا ينافس الذئب فيها حيوان آخر، فجلس يسجلها في بيت شعر صار مثلاً نستعين به في الحالات المشابهة بين البشر. كان الشاعر قد قال:

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

بأخرى المنايا فهو يقظان هاجعُ

ولا شيء من حولنا أقرب إلى هذه الحالة العجيبة لدى الذئب، إلا الغرب في موقفه تجاه ما طرأ على الوضع السياسي في النيجر، ثم في الغابون، رغم أن ما طرأ فيهما تزامن مع بعضه البعض، ورغم أن ما وقع في الأولى كان يوم 26 يوليو (تموز)، وما وقع في الثانية كان في 30 أغسطس (آب)، ولم يفصل بينهما بالتالي إلا شهر واحد بالكاد.

تشعر وأنت تتابع موقف العالم الغربي منهما إجمالاً، بأن ما شهدته النيجر كان في عقد من الزمان، وأن ما شهدته الغابون كان في عقد آخر، وأن ما بينهما من الزمن يقاس بالسنوات، لا بالأيام والساعات كما هو حاصل بالفعل.

لقد وقع انقلاب عسكري في النيجر، وهو انقلاب قام به قائد الحرس الجمهوري، وأطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، ويتشابه الوضع في حالة الغابون إلى حد التطابق تقريباً، لأن انقلاباً وقع فيها أيضاً، ولأن الذي قام به قائد الحرس الجمهوري كذلك، ولأنه أطاح برئيس منتخب هو الرئيس علي بونغو الذي كان بالكاد يبدأ ولاية رئاسية جديدة.

قامت الدنيا ضد قائد الحرس الجمهوري في النيجر، ووجد نفسه مع رفاقه العسكريين في مواجهة عقوبات اقتصادية قاسية من أكثر من اتجاه، وراحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة بمجموعة «إيكواس» تخيّره بين العودة عن الانقلاب على الفور، والتدخل العسكري الذي لا تزال تهدد به وترفع رايته، ولم تتسامح المجموعة معه ولا مع المجلس العسكري الذي يرأسه ولا للحظة واحدة.

ولم يكن موقف «إيكواس» المتشدد للغاية سوى عنوان صغير بين عناوين الموقف الدولي العام، لأن موقف فرنسا كان ولا يزال أشد وأعتى، وكانت باريس ولا تزال ترفض سحب سفيرها من العاصمة النيجرية نيامي، وتأبى سحب قواتها العسكرية من هناك، رغم أن السلطة الجديدة جردت السفير من حصانته الدبلوماسية وطلبت رحيل القوات عن البلاد.

ولأن الولايات المتحدة الأميركية هي رأس الغرب، فهي تتصرف بما لا يختلف كثيراً عن موقف «إيكواس» ولا عن الموقف الفرنسي، ولكنه اختلاف في الشكل لا في المضمون، فتبدو واشنطن وهي تتكلم برفق وهدوء مع السلطة النيجرية الجديدة، بينما تمسك عصاها الغليظة في يدها في المقابل.

فإذا حانت منك التفاتة إلى الغابون اكتشفت النقيض تقريباً، لأن هذه العين الغربية المفتوحة عن آخرها على النيجر لا ترى ما حدث في الغابون. والغرب الذي يفتح عينيه بأقصى طاقته في الحالة النيجرية، يغمضها ولا يكاد يفتحها في الحالة الغابونية، وكأنه لا وجه شبه ولا تشابه أبداً بين الحالتين، أو كأن الأمر حلال على الغابون، وحرام على النيجر في ذات الوقت.

وهذا التناقض الواضح له تفسير طبعاً، وليس تناقضاً شيطانياً لا أصل له، فأساسه الموقف السياسي المنحاز إلى روسيا من جانب جماعة الحكم الجديدة في النيجر، التي لم تشأ أن تخفي هذا التوجه لديها منذ اليوم الأول، والتي دفعت مؤيديها إلى الشارع يرفعون أعلام البلاد ومعها الأعلام الروسية.

وعندما خرج مؤيدوها إلى مقر السفارة الفرنسية في نيامي، رفعوا الأعلام نفسها أمامها، ونزعوا اللوحة التي تحمل اسمها ثم داسوها، ولم يكونوا يفعلون ذلك على سبيل انفعال وليد اللحظة، ولكنهم كانوا يعبّرون عن موقف ضد فرنسا، التي صدمها ما يجري ولم تعرف كيف تستوعبه ولا كيف تتفاعل معه، فتشددت إلى أعلى ما يكون التشدد، ورفضت سحب السفير والقوات، وصممت على الرفض ولا تزال تصمم.

ولم يكن الموقف الرافض للوجود الفرنسي في النيجر موقفاً ضد فرنسا وحدها في حقيقته، ولكنه موقف يمكن فهمه على أنه موقف ضد الغرب في مجمله، ما دام هذا هو حال الأعلام الروسية في أيدي المؤيدين في نيامي. ولكن السلطة الجديدة في الغابون كانت أكثر حكمة، فلم ترفع أعلاماً روسية ولا اتخذت موقفاً معادياً ضد أحد، ولذلك أدى رأسها اليمين الدستورية رئيساً بينما الغرب لا يبالي، اللهم إلا بعبارة خجولة تدين هنا، أو عبارة أخرى تشجب هناك على استحياء.

ليست المنايا التي يتقيها الغرب بإحدى عينيه في النيجر إلا الوجود الروسي الزاحف في القارة السمراء، وإذا كانت العين الأخرى مغمضة في الغابون فلأن هذا الوجود لا يبدو هناك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المنايا التي يتّقيها الغرب في النيجر المنايا التي يتّقيها الغرب في النيجر



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 08:22 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

"إكس" تتعرض إلى هجوم سيبراني ضخم

GMT 16:15 2017 الجمعة ,16 حزيران / يونيو

إنفينيتي تعلن عن مزايا سيارة QX80 Monograph الجديدة

GMT 16:18 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

في مجتمعنا نساء مضطهدات…وتفسير خطأ للجندرة!

GMT 12:02 2021 الإثنين ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أولمبيك خريبكة ينفصل عن مدربه عزيز كركاش رسمياً

GMT 15:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

لائحة الغرامات المتعلقة بمخالفات السير في المغرب

GMT 06:45 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

سلمى أبو ضيف تعلن ارتباطها برئيس مجلة "فوغ"

GMT 19:22 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الهاشيمي يقترب من حمل قميص الاسود في نهائيات "أفريقيا"

GMT 15:21 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل صوص الفراولة (للحلويات والتورتات)
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib