كلما دارت السنة على نوبل

كلما دارت السنة على نوبل...!

المغرب اليوم -

كلما دارت السنة على نوبل

بقلم - سليمان جودة

يتذكر العالم جوائز نوبل مرتين في السنة: إحداهما في هذا الشهر عندما يتم الإعلان عن أسماء الفائزين بالجوائز، والأخرى في الشهر بعد المقبل عندما يجري توزيعها على الفائزين بها في العاصمة السويدية استوكهولم. وبخلاف ذلك يعيش العالم نفسه وهو يترقب الجوائز من سنة إلى سنة، وتتعدد الترشحيات التي لا تتحقق في الغالب الأعم.

مما أذكره في هذا السياق، أني أجريت حواراً صحافياً مع نجيب محفوظ قبل فوزه بالجائزة بسنة، وقد جرى نشر الحوار في هذه الصحيفة على صفحة كاملة، وكان الأستاذ رجاء النقاش هو الذي دعاني يومها من خلال مكتب «الشرق الأوسط» في القاهرة إلى إجراء الحوار. أما أهم ما جاء فيه فهو رأي محفوظ في جائزة نوبل، وكان رأيه الذي نشرته الصحيفة في مانشيت بعرض الصفحة كالتالي: جائزة نوبل أكذوبة كبرى!

وأما تفاصيل الحوار فمنشورة في عدد من أعداد الصحيفة خلال السنة السابقة على حصوله عليها، ويستطيع مَنْ يرغب أن يعود إلى التفاصيل، وسوف يرى أن محفوظ لم يكن من المتهافتين على نوبل، ولا كانت هي تشغله، وربما كان هذا هو ما جعله يظن الأمر مزحة عندما أيقظوه من نوم القيلولة ليخبروه بأنه فاز بها.

ويحلو لي دائماً أن أتأمل خريطة الجوائز في كل سنة، لأرى أين ذهبت، ولمن، وكيف توزعت بين مستحقيها بامتداد قارات الأرض؟ ولا بد أنها في هذه السنة كانت مغرية بالتأمل، فلقد كانت خريطة الحاصلين عليها تشتمل على الكثير مما يدعو إلى التوقف أمامه ومحاولة فهم معناه.

وإذا كانت نوبل في الأدب قد ذهبت إلى الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ، فإن مؤسسة يابانية تدعو إلى نزع السلاح النووي حصلت عليها في السلام. وهذا يعني أن القارة الآسيوية قد استحوذت على جائزتي السلام والأدب معاً.

لم يسبب ذهاب جائزة الأدب إلى كانغ جدلاً من أي نوع، ربما لأن هيئة الجائزة قد ساقت المبررات التي جعلتها تعطيها لهذه الكاتبة دون سواها، وهي مبررات بدت مقنعة للذين طالعوا لها أشياء، وللذين لم يطالعوا لها شيئاً على حد سواء.

أما جائزة السلام فلقد دار حولها جدل كبير؛ لأن التسريبات السابقة على إعلانها كانت تقول إنها ستذهب إلى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أو إلى وكالة «أونروا» التابعة للمنظمة والمعنية بتشغيل وإغاثة اللاجئين، أو إلى محكمة العدل الدولية، إحدى الأذرع القانونية للمنظمة، والتي تظل معنية بالتعامل مع الدول والحكومات، على العكس من المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالأفراد لا الدول. كانت التسريبات تقول إن الجائزة ستذهب إلى الأمين العام، أو إلى محكمة العدل، أو إلى «أونروا»، أو إلى الثلاثة معاً، وكانت التسريبات تستند إلى ترشيحات معاهد علمية متخصصة لا إلى جهات غير مختصة بالترشيح.

لكن الجائزة قفزت فوق الأمين العام، والمحكمة، والوكالة، وذهبت إلى منظمة «نيهون هيدانكيو» اليابانية، التي تضم في عضويتها الناجين من القنبلتين الذريتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة الأميركية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في 1945.

ويبدو أن هيئة الجائزة تجنبت منح الجائزة للأمين العام، أو الوكالة، أو المحكمة، أو الثلاثة معاً، بينما لسان حالها يردد المعنى المراد في المثل المصري الشعبي الذي يقول «ابعد عن الشر وغنِّ له»؛ إذ لا تفسير آخر لذهابها إلى المنظمة اليابانية دون الثلاثة.

صحيح أن المنظمة اليابانية تهتم بموضوع لا شك في أهميته ولا في ضرورته، لكنه موضوع مهم وضروري منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وسيظل كذلك إلى أن يخلو العالم من السلاح النووي، أما الموضوع الذي يمثل الأمين العام، والمحكمة، والوكالة، طرفاً أصيلاً فيه، فهو حديث الدنيا هذه الأيام، ولا يكاد يخلو من الانشغال به بيت حول العالم.

الموضوع هو الحرب على قطاع غزة التي دخلت عامها الثاني في السابع من هذا الشهر، والتي كانت ولا تزال حرب إبادة لا مجرد حرب بين الجيش الإسرائيلي وحركة «حماس» في القطاع. وليس سراً أن الأمين العام كان شجاعاً فيها بما لفت إليه أنظار كل الأحرار حول العالم، وكانت المحكمة شجاعة بما يكفي وهي تستدعي إسرائيل إلى منصتها، وكانت الوكالة ولا تزال تغيث الذين تستطيع أن تغيثهم من الذين شردتهم الحرب في كل أرض.

لو ذهبت الجائزة إلى الثلاثة لكانت في مكانها تماماً، لكن هيئتها آثرت السلامة فاختارت أن تذهب إلى حيث لا مشكلة ولا أزمة.

أما جوائز الطب، والفيزياء، والكيمياء، والاقتصاد، فلقد تقاسمها العلماء الأميركيون والإنجليز دون سواهم، وكانت الكثرة من الفائزين في الفروع الأربعة أميركية لتبقى القلة بريطانية، وكأن أفريقيا ليس فيها رجل علم واحد يستحق، أو كأن أميركا الجنوبية ليس فيها هي الأخرى أستاذ اقتصاد يستأهل الجائزة.

والأمل كله إذا دار العام دورته في السنة المقبلة، أن تلتفت هيئة الجائزة إلى أن أوروبا أوسع من بريطانيا، وأن في العالم علماء لا يحملون الجنسية الأميركية ولا البريطانية، لكنهم يستحقون في الوقت نفسه أن يكونوا من أهل نوبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلما دارت السنة على نوبل كلما دارت السنة على نوبل



GMT 17:44 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

الشهادة القاطعة

GMT 17:43 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

GMT 17:41 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

لا تطمئنوا كثيرًا..!

GMT 17:36 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا؟

GMT 17:34 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إعادة قراءة لتواريخ بعيون فاحصة

GMT 17:32 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إيران دون عقوبات: تمكين الحلفاء بديل النووي

GMT 17:30 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

هل عاد زمن العطارين؟

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:41 2023 السبت ,22 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.5 درجة في اليونان

GMT 07:39 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغجر يحبُّون أيضًا" رواية جديدة لـ"الأعرج"

GMT 15:40 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيفية اختيار لون المناكير المناسب

GMT 23:58 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

ساني يهزم نيمار في سباق رجل جولة دوري أبطال أوروبا

GMT 19:43 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

البدواوي يكشف أن "حتا" شهدت إقبالاً كبيراً من السياح

GMT 14:00 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "إشبيلية" يرغب في التعاقد مع ماركوس يورينتي

GMT 00:51 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

التلفزيون الملون لم يدخل بيوت الآلاف في بريطانيا

GMT 00:29 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

صفية العمري تؤكّد أنها تبحث عن الأعمال الفنية الجيدة فقط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib