بقلم - سليمان جودة
تخيلت الرئيس ترامب وهو يعلن نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران، وكأنه مأذون جاء بالجبة والقفطان والعمامة يعقد زواجاً ويباركه بين الطرفين، ثم يتمنى لهما حياة زوجية سعيدة يكللها الله بالرفاء والبنين!.. أو كأنه واحد من حُكام كرة القدم قد أطلق المباراة بصافرة فى فمه وحركة من يده، ثم أنهاها بالصافرة نفسها والحركة ذاتها!.
ولابد أن الذين تابعوا مشهد الختام قد ندموا على أنهم أضاعوا وقتهم، وبددوا طاقتهم فى متابعة مسرحية سخيفة من مسرحيات الدرجة الثالثة التى لا فكرة فيها، ولا مضمون، ولا شىء متماسك تستطيع الإمساك به بين يديك.
شىء وراء العقل أن تصل الحبكة المكشوفة إلى حد تحديد عدد أيام الحرب قبل أن تتوقف!.. لقد قيل دائماً إنك تستطيع إطلاق أى حرب، لكنك لا تستطيع إنهاءها، ولكن السيد ترامب أثبت أنه يستطيع!.. أثبت ذلك فسماها «حرب الإثنى عشر يوماً» على أساس أنها انطلقت ١٣ من الشهر وتتوقف ٢٥ من الشهر نفسه، وبالتالى، فإن على الذين قالوا إنك لا تستطيع إنهاء حرب أطلقتها أن يراجعوا أنفسهم!.. وقد بلغ الأمر إلى درجة أن السيد ترامب غرّد على منصته الخاصة داعياً الله تعالى أن يحفظ إسرائيل وأن يحفظ معها إيران!.. فلم يكن ينقص المشهد إلا بعض الزغاريد تنطلق هنا وهناك، ومعها تتوزع الحلويات والشربات!.
وعندما أطلقت إيران صواريخها على قاعدة «العُديد» الأمريكية العسكرية فى قطر، ثم على قاعدة عين الأسد الأمريكية أيضاً غرب العراق، حبست المنطقة أنفاسها، فإذا بالهجومين لا يتسببان ولا حتى فى جرح إصبع عسكرى فى القاعدتين، وإذا بالسيد ترامب يوجه الشكر إلى الإيرانيين على أنهم أبلغوه بالهجومين قبل وقوعهما!.. ولماذا لا يبلغونه وقد سبق هو فأرسل ستيف ويتكوف مبعوثه للشرق الأوسط، يبلغهم بأن الهجوم الأمريكى على المنشآت النووية الإيرانية الثلاث هو لمرة واحدة فقط؟!.
شىء وراء العقل أن يحرق الناس أعصابهم فى الاهتمام، وفى المتابعة، وفى الرصد، ثم يتبين لهم أنهم تابعوا فقرة من فقرات الكاميرا الخفية التى برع فيها الفنان إبراهيم نصر، يرحمه الله.
بالطبع، هناك جانب جاد جداً فى الموضوع، وهذا الجانب هو أن إيران قبل الحرب هى إيران بعدها، وأن القصد كان تعطيل برنامجها النووى لا القضاء عليه، وأن إسرائيل هى إسرائيل مالكة السلاح النووى الوحيدة فى المنطقة، وأن اتفاقهما فى كل مرة.. لا فى هذه المرة وحدها لا يكون إلا على حساب العرب!.
يرحم الله الإمام محمد عبده الذى أدرك أبعاد السياسة قبل أكثر من مائة عام، فلم يتردد فى إطلاق صيحته الشهيرة فقال: لعن الله السياسة بكل مفرداتها من أول ساس، إلى يسوس، إلى سائس.. إلى كل ما له أى علاقة بهذه الكلمة من قريب أو من بعيد!.