قبل أن يغادروا قطار الحياة

قبل أن يغادروا قطار الحياة

المغرب اليوم -

قبل أن يغادروا قطار الحياة

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

مع رحيل أحد كبار المبدعين الذين صنعوا حياتنا، أسأل هل استطعنا أن نوثق حياتهم، قبل وصولهم للمحطة الأخيرة في قطار الحياة؟

غالباً ما تصدمني الحقيقة، لم ننتبه، لا نستيقظ وكالعادة إلا بعد فوات الأوان، كل من تعاطى مع «الميديا»، يدرك أن اللحظة الساخنة والصاخبة بالأحداث غالباً ما تأخذ كل طاقتنا، ونادراً ما نجد متسعاً من الوقت لكي نقلب صفحات حياتنا، قبل أن يطويها النسيان، كثيراً ما نتكلم عن الماضي بفخر واعتزاز، ونعتقد أنه فقط منبع الجمال والصدق، ثم تكتشف أن عشرات من البرامج التي يتم تداولها عن الماضي، عبر «اليوتيوب» تحوي عشرات من الحكايات المختلَقة.

قبل أسابيع قليلة غادرتنا المطربة الكبيرة نجاح سلَّام، توجهنا جميعاً للأرشيف، لم نجد إلا شذرات، وبعضها قد يحمل أسئلة أكثر مما يقدم إجابات، هل مثلاً قلنا لها في سنواتها الأخيرة، ونحن نتابع انسحابها التدريجي من الحياة الفنية: «شكراً»، ظلت نجاح تغني حتى بعد ارتدائها الحجاب، وأعادت ترديد جزء من رصيدها الساحر، الذي يفيض بهجة وسعادة.

كانت نجاح حريصة على أن تحلّق عربياً بجناحين، هما النغمة واللهجة اللبنانية موازية للنغمة واللهجة المصرية، تجمع بينهما ويصدقها الناس، وهي تغني في مصر للملحن العبقري، الذي تفيض موسيقاه بسحر بلد الأرز فيلمون وهبة، أو وهي تغني في لبنان برصانة وشرقية ومصرية رياض السنباطي.

كُثر قالوا إنها حفرت شريان حبها في قلوب المصريين بعد أن غنت قبل 70 عاماً «يا أغلى اسم في الوجود يا مصر»، التي أعاد غناءها قبل سنوات المطرب الإماراتي حسين الجسمي، والحقيقة أن نجاح سلَّام سكنت قلوب المصريين قبل ذلك، بصدقها وهي تغني باللهجة اللبنانية «برهوم حاكيني».

ليس مطلوباً من الفنان إتقان اللهجات العربية، فقط الإحساس الصادق، وبعدها لن يتحدث أحد عن جواز السفر.

في الستينات حقق المطرب السوري فهد بلان نجاحاً طاغياً مصرياً وعربياً وهو يغني باللهجة والنغمة السورية، وهو ما تكرر مع كاظم الساهر وهو يغني باللهجة العراقية.

أظنها لا تفرق معك مثلاً أن تعرف أن فريد الأطرش، حمل أربع جنسيات عربية، سوريا وهي بلد الميلاد، ولبنان ومصر والسودان، لم يكن بحاجة إلى وثيقة رسمية يحملها في يده ليسمح له بالدخول؟

هل استطعنا توثيق حياة كل هؤلاء؟ بين الحين والآخر، أقلب صفحات قديمة، وأكتشف أن حتى ما قاله بعض الكبار ومسجل في حضورهم وبلا «مونتاج»، ليس هو بالضبط الحقيقة، أحياناً تجد الشخصية العامة، مثل أي إنسان، يضطر لحذف معلومة أو تغيير وثيقة، ستكشف أن تاريخ الميلاد هو أكثر الإجابات التي يتم التلاعب فيها.

مثلاً بسبب أن عبد الحليم حافظ كان دائم السخرية من فريد الأطرش، ووصفه في أكثر من لقاء بأنه في عمر والده، كان فريد حريصاً في كل أحاديثه على نفي هذه المعلومة، باختصار سبع سنوات من عمره، فهو رسمياً مواليد 1910، إلا أنه يؤكد أنه 1917، أي أنه يكبر عبد الحليم فقط بنحو 12 عاماً، وبهذا لا يستطيع أن يعده ساخراً في مقام الوالد، مثلما كان عبد الحليم حافظ يسقط في كل أحاديثه تناول السنوات التي قضاها في ملجأ الأيتام، كما أن أم كلثوم لم تسمح أبداً لأحد بسؤالها عن مشاعرها كامرأة وجاءت إجابتها «بعد ما أموت اكتبوا، ولكن مشاعري الخاصة ليست للتداول الإعلامي».

هؤلاء الكبار وثَّقنا جزءاً من حياتهم، بينما في هذا الزمن، يغادرنا المبدعون تباعاً، والكثير من تفاصيل حياتهم، يضيع في زحام الافتراء والحكايات المختلقة، التي صارت مع الأسف هي العنوان.

عشرات من البرامج تقتات على الأكاذيب، وتمتلئ بها «الميديا»، وبسبب كثرة الإلحاح، تصبح وكأنها الحقيقة، فهل نستيقظ، ونوثّق تاريخهم، قبل أن يغادروا تباعاً قطار الحياة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل أن يغادروا قطار الحياة قبل أن يغادروا قطار الحياة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 12:22 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

رحلة إلى العصور الوسطى في بروغ البلجيكية

GMT 14:15 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نادي "مسيمير" يسعى إلى تحقيق أول فوز له أمام "الخريطيات"

GMT 14:18 2014 الخميس ,31 تموز / يوليو

شورت الجينز سهل التنسيق مع الثياب الصيفيّة

GMT 07:15 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التجار يحصون خسائرهم بعد حريق سوق الصالحين بسلا

GMT 08:21 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّني منزلك بوسائد بنقوش وزخارف هندية

GMT 06:35 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

تعرفي على أحدث ديكورات غرف نوم الأطفال في 2018

GMT 16:53 2024 الجمعة ,02 شباط / فبراير

المغربية غزلان الشباك توقع لفريق إسباني

GMT 18:16 2023 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

9 علامات تحذيرية من السرطان عند النساء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib