بعد عامين من «الطوفان»

بعد عامين من «الطوفان»

المغرب اليوم -

بعد عامين من «الطوفان»

غسان شربل
بقلم : غسان شربل

هذا ما حدث. أطَلّ كبير الجنرالات الساكن في البيت الأبيض، وأطلق على المتحاربين قذيفة لا يمكن ردّها. خطة للخروج من الحرب التي تُطفئ غداً شمعتها الثانية. خطة تبدأ بوقف النار وتبادل الرهائن والأسرى، ثم تذهب أبعد في رسم مستقبل غزة مع فتح كوة في اتجاه السلام الدائم وحلّ الدولتين. وفي صيغ الخروج من الحروب المعقدة لا بد من التباسات. الوضوح يحرج المحاربين حين لا تنتهي الحرب بالضربة القاضية والاستسلام الكامل. الغموض يساعدهم على إبلاغ جمهورهم أنهم لم يتنازلوا وأنهم في الطريق إلى تحقيق أهداف كبرى.

ليس هذا ما كان يشتهيه نتنياهو. ولا خليل الحية ورفاقه، لكن سيد البيت الأبيض أطَلَّ بلغة الجنرال وكأنه يقول: «الأمر لي». ولم يتردد في الإشارة إلى أن عدم القبول بخطته لا يقود إلا إلى فتح أبواب الجحيم. ولم يكن أمام المتحاربين غير الانصياع لرغبة جنرال القرية الكونية؛ فهذا الرجل سيد الأساطيل والقنابل التي تخترق الأعماق. وهو الوحيد القادر على إطفاء حريق التهَم عشرات الآلاف من الناس، وصدَّع خرائط، وغيَّر ملامح.

نتنياهو ذئب متمرِّس يدرك خطورة رقصة «التانغو» مع ترمب. يعرف أن شريكه الذي يشعره بالحميمية والدفء قادر على تغيير مجرى اللعبة فجأة لإرغام الشريك الأصغر على ضبط خطواته على مزاج الشريك الأكبر؛ لهذا لم يبخل نتنياهو على ترمب بالإشادات والمدائح ودغدغة غروره. وهذا ما حصل. لم يبخل ترمب على إسرائيل بالدعم، خصوصاً في الفصل الإيراني من حروب ما بعد «الطوفان»، لكنه لم يتنازل عن الجلوس في مقعد القيادة.

من حق أميركا التي تضخُّ كل أنواع المساعدات في عروق إسرائيل أن تضبط جموح الأخيرة. من حقها أن تُلزم إسرائيل بالعودة إلى التوقيت الأميركي. الشرق الأوسط منطقة مهمة وحيوية، ولا يجوز تركها في أيدي جنرالات إسرائيل وجنرالات الفصائل. ولم يكن أمام نتنياهو غير الانحناء لرغبة حليفه ترمب، رغم علمه أن قبولها يمكن أن يؤدي إلى فتح أبواب المفاجآت وتصدُّع حكومته.

ولم تكن قيادة «حماس» راغبة في القبول بخطة تنص على نزع سلاحها وإخراجها من المشهد. لم يعد للحركة حليف تستجير به. وأغلب الظن أن بعض قادتها تذكَّروا قصة بيروت التي حاصرها الجيش الإسرائيلي في 1982. ففي المدينة المحاصَرة ذهب ياسر عرفات إلى السفير السوفياتي سولداتوف ليطالبه بالدعم. وكان رد السفير: اخرجوا من بيروت ولو على ظهر المدمرات الأميركية. أرفقت «حماس» قبولها الخطة بعبارات والتباسات، لكنها وافقت على تجرّع بعض السمّ.

بعد عامين من «الطوفان» وجدت «حماس» نفسها أمام خيارات بالغة الصعوبة. جنرال البيت الأبيض لا يمزح. عبارته واضحة: قبول الخطة أو فتح أبواب الجحيم. والخطة محبوكة ببراعة. في المرحلة الأولى منها تخسر «حماس» السلاح الأهم الذي امتلكته، وهو الرهائن. بعد خسارة هذا السلاح ستحتاج «حماس» إلى ضمانات كي لا تمارس إسرائيل في القطاع القتل اليومي الذي تمارسه في لبنان، والضمانات بأن الاحتلال الجديد للقطاع لن يطول. طرف واحد يستطيع توفير الضمانات، واسمه دونالد ترمب. لكن ترمب ليس جمعية خيرية وليس مولعاً بتقديم الهدايا. لكل ضمانة يوفرها ثمن باهظ لا بد من دفعه.

قبل عامين، انطلق «طوفان» السنوار، وردَّ عليه نتنياهو بطوفان النار. فاض الحريق عن حدود غزة. أمطرت ناراً فوق خرائط عدة. اختفى لاعبون، وتغيّرت ملامح. أُرغمت إيران على مغادرة سوريا، وجلس أحمد الشرع على كرسي الأسدين في «قصر الشعب». تغيّرت ملامح سوريا. لم تعد ملاذاً للممانعين ولا ممراً للصواريخ. قُطعت طريق قاسم سليماني. اتخذ الشرع قرارات صعبة، وصعد إلى القطار بعد مصافحة مع جنرال البيت الأبيض. أُصيب المشروع الإيراني في حلقته الحيوية.

سوريا اليوم لا تشبه أبداً تلك التي كانت قائمة لحظة انطلاق «الطوفان» قبل عامين. تحوّلت جداراً يفصل بين «الحشد الشعبي» العراقي و«حزب الله» اللبناني. يقول الشرع إن سوريا لن تشكِّل خطراً على أحد من جيرانها. هذا يعني خروج سوريا على الأقل من الشق العسكري في النزاع مع إسرائيل، رغم استمرار الأخيرة في استفزازاتها واعتداءاتها.

لبنان الحالي لا يشبه ذلك الذي كان قائماً ساعة انطلاق «طوفان السنوار». «حزب الله» بلا زعيمه حسن نصر الله لا يشبه ما كان عليه في وجوده. أظهرت الحرب التفوق التكنولوجي الإسرائيلي الهائل. خسارة العمق السوري تحرم الحزب من القدرة على تكرار تجربة «حرب الإسناد».

ذهب تغيّر الملامح أبعد. لبنان الرسمي مطالب من الداخل والخارج بـ«حصر السلاح» في يد الدولة اللبنانية. من دون هذه الخطوة لن يستطيع لبنان الصعود إلى القطار، ولن يتلقى المساعدات التي يحتاجها لإعادة الإعمار والاستقرار، أي انطلاقة ناجحة لخطة ترمب في غزة ستعيد تسليط الأضواء على المشهد اللبناني، حيث لا يمكن اعتبار الانتظار أفضل مستشار.

بعد عامين من «الطوفان» تغيّرت صورة إيران أيضاً. لم تستطع إنقاذ حلفائها. ولم تستطع ردّ الطائرات الأميركية عن منشآتها النووية ولا الطائرات الإسرائيلية عن أجواء طهران. خسرت بعض أوراقها، وها هي العقوبات تهبّ مجدداً على اقتصادها. مسيّرات الحوثي وصواريخه لا تعدّل كثيراً في الحساب.

بعد عامين من «الطوفان» تغيّرت ملامح وأخرى تستعد. سيدخل الجنرال ترمب تغييراً هائلاً على ملامح الشرق الأوسط الرهيب إذا ساهم الترويض التدريجي للمحاربين في فتح نافذة للدولة الفلسطينية المستقلة. مفاوضات ما بعد تبادل الرهائن والأسرى ستكون شاقة ومريرة، ومن يضمن ألّا يصاب قطار ترمب بالتعب أو اليأس أو الانحراف عن خطه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد عامين من «الطوفان» بعد عامين من «الطوفان»



GMT 19:27 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الفرح ليس حدثاً

GMT 19:13 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

من نيويورك إلى غزّة

GMT 19:10 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تلك الصورة في البيت الأبيض

GMT 19:07 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

زغلول النجّار.. ودراما الإعجاز العلمي

GMT 19:04 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان: المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

GMT 19:02 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

طيور المحبة بين الرياض والقاهرة

GMT 18:58 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الخوف على السينما فى مؤتمر النقد!

GMT 18:55 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

السيمفونية الأخيرة

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء

GMT 16:12 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره الهنغاري

GMT 01:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتكوين تقترب من 100 ألف دولار مدفوعة بفوز ترامب

GMT 05:10 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

كريم بنزيما أفضل لاعب في العام جلوب سوكر 2022
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib