تغيُّر نبيل أمام تجمُّد خسيس

تغيُّر نبيل أمام تجمُّد خسيس

المغرب اليوم -

تغيُّر نبيل أمام تجمُّد خسيس

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

لا وجود في بلادنا لما يُعرف بالتربية المدنية في بلاد الآخرين. وحيثما وجدت كانت نسبتها ضئيلة. وأول معاني هذا العنوان هو السلوك نحو الآخر. فإذا كان ضعيفاً يجب أن تساعده، وإذا لم يكن في حاجة، فعليك أن تتعاون معه لمساعدة الآخر.
في دول أوروبا جمعيات ومؤسسات لا يخطر لك وجودها. قلم عتيق للبيع، أو نظارات قديمة، أو جهاز راديو قديم. لا تخطر لك، لأنك لست في حاجة إليها. لكن هناك أناساً يجدون فيها «لقية» سعيدة.
الأزمة الاقتصادية الضاربة في لبنان علمتنا، للمرة الأولى، أن المحتاجين كثيرون، والبؤساء والمقهورين وضحايا السلطة الجائرة في كل مكان. وفي الماضي كانت مساعدة الغير وقفاً على جمعيات قليلة، أما الآن فلا تخلو حارة من أعمال الخير. ذلك على الميسورين وأبناء الطبقات القادرة كما هي العادة منذ زمن، وإنما تشمل الحمية جميع الناس، على نحو عفوي. وكم يعاني المحسنون من رؤية المشاهد المحزنة. فالجوع لم يكن أمراً وارداً في حياة ذلك الكريم الذي أذل، ولم يبقَ له في وجود الزمر السياسية، سوى الرحمة.
تعلمنا في أوروبا أن المساعدة الاجتماعية واجب. وقد تكون بالآلاف أو بالقروش، وفي الآية الكريمة «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
منذ فترة ونحن نقرأ عن أزمة الغاز التي ستضرب أوروبا، وأن الشتاء سيقتل المتقدمين في السن. ولكننا بلاد دافئة وطقسها رحمة، ولم يتخيل لنا أن الناس يمكن أن تموت بسبب أزمة أوكرانيا. ولا خطر لنا أن الشتاء سوف يبكر إلى هذه الدرجة، وتبدأ أمطاره ورياحه وثقالة دمه تهدد الناس في منازلهم. (اتصلت بأحد الأصدقاء في باريس فجاء صوته غليظاً مثقلاً بحمى الأربعين. قال إن الشتاء خدعه مرتين هذا العام: الدولة الفرنسية أخرت موعد كهرباء التدفئة، والبرد بكّر كثيراً. ولم يكن قد احترس، فغدر الزكام بالعائلة جميعها). إذن، الناس تصاب في الحقيقة، وليس في أخبار الصحف. وكوارث الطبيعة ليست مشاهد تلفزيونية، بل مآسٍ وخسائر ومصائب.
كان السائد في لبنان مثل شعبي أناني سفيه، يقول «بَعُدَت عني بسيطة». أي كل ما لا يطاله شخصياً لا يضيره. تغيرت هذه النفس الدنيئة بعد ما فعلته الحالة الاقتصادية والفجور السياسي بالناس من تدمير لكرامتها. الآن يردد الجميع طوعاً «الناس للناس». وبينما يتشاجر السياسيون في حقد وكراهية وأنانية جرمية حول مقعد كسرت قوائمه عمداً، يظهر اللبناني الوجه الذي تستحقه مأساته، وهي أعمق مما يمكن تصوره. إنها موجودة مثل الموت، أو المرض برداً في أوروبا. هذه ليست أخباراً صحافية. إنها حياة بشر وعذاباتهم. والطقس المعتدل في لبنان هو الرحمة الوحيدة الباقية رغم أنف الحرامية الذين سرقوا كل شيء حتى أقساط مدارس الأطفال، وأغطية أسرّتهم ووسادة طفولتهم.
المسألة في لبنان ليس أن البلد يموت، بل أنه يُقتل. وبدل أن يتوقف السياسيون أمام الجريمة يمعنون في التهريج والأنانيات والعيب. وأمام هذا التحدي لمآسي الناس وكرامة الدولة، يزداد تعاضد اللبنانيين على نحو غير مسبوق ويكتشفون أن «التربية المدنية» ليست درساً نظرياً يتعلمونه في المدارس، بل واجب من واجبات الحياة. وأن الأخبار في الصحف ليست لكي تقرأ قبل النوم، بل لكي تقرأ قبل الهمّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغيُّر نبيل أمام تجمُّد خسيس تغيُّر نبيل أمام تجمُّد خسيس



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 13:33 2020 السبت ,04 إبريل / نيسان

إصابة نجل جوليا بطرس بفيروس كورونا في لندن

GMT 13:50 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

توقيف شقيقين نقلا جثة والدهما إلى منزله في بني سويف

GMT 15:33 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أخطاء شائعة عند تحضير ديكور غرفة المعيشة

GMT 09:10 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

2.9 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع

GMT 09:46 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

حفلة لفرقة "رباعي كوينز" في قصر المانسترلي الخميس

GMT 05:29 2018 السبت ,18 آب / أغسطس

كيف تصالح حبيبتك حين تغضب أو تحزن منك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib