السُّلّ قتل الأشهرين

السُّلّ قتل الأشهرين

المغرب اليوم -

السُّلّ قتل الأشهرين

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كانت الحرب العالمية الثانية في مراحلها الأخيرة. وفي أحد أيام أبريل (نيسان) كان أشهر المراسلين البريطانيين، جورج أورويل، على موعدٍ مع أشهر كتّاب فرنسا، ألبير كامو، في أشهر مقاهي باريس يومها، وحتى الآن: الدوماغو. انتظر أورويل، الإنجليزي الخجول، ساعة، ثم ساعتين، ثم ثلاث ساعات، لكن الفرنسي المعروف هو أيضاً بخفره وتهذيبه، لم يأت أبداً. غادر أورويل المقهى منكسراً ولم يعرف إلا بعد حين أن الذي حال بين كامو وبين الموعد أن الرجل مُصابٌ بالسلّ. كلاهما كان مصاباً بالمرض نفسه. وسوف يموت أورويل مسلولاً ويُقتلُ كامو في حادث سيارةٍ محزن بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب في عام واحد.

كان الشبه كثيراً بين الرجلين، متعلقان بقيمٍ أخلاقية واحدة، محاربان للأنظمة الشمولية، يدافعان عن الضعفاء والفقراء في كل مكان. كلاهما كان يؤمن أن الحقيقة أكثر أهمية من الولاء الأعمى والغيبيات، وبالتالي فإنها نابعة من العالم الحقيقي وليس من عالم الأفكار والنظريات. تشابها حتى في الأسلوب الذي تميّز بالوضوح والصراحة والصدق. عندما توفي أورويل عام 1950 كتب كامو إلى صديقته ماريا كزاريس رسالة يقول فيها: «الأنباء حزينة هذا النهار: جورج أورويل قد مات. إنك لا تعرفينه. كاتبٌ إنجليزيٌ عظيم الموهبة، أما تجاربه فمساوية لتجاربي، وأفكاره متلاقية مع أفكاري. لقد حارب السلّ لسنواتٍ عديدة، وهو واحدٌ من رجالٍ قليلين جداً، التقينا معاً في التفكير نفسه».

لا شكّ أن أهم أعمال أورويل هي رواية «1984»، ولعل أهم ما فيها عدد الكلمات التي أضافها أورويل إلى اللغة الإنجليزية. ويرى الكثيرون أنها أعظم هديةٍ للإنسانية لأنه كان أول من تحدّث عن سيطرة الدولة البوليسية في المستقبل، وأول من حذّر من سطوة «الأخبار الكاذبة»، التي أصبحنا نعيش معها الآن كل يوم. وكتب آنذاك: سوف يأتي يومٌ يُعاقب فيه بالإعدام كل من يقول إن (2+2) تساوي 4. الغريب في الأمر أن قائل هذه الكلمات ليس أورويل على الإطلاق. بل هو استعارها من رواية كامو «الطاعون»، التي نُشرت قبل «1984» بعامين، سنة 1947. لا ينتهي التشابه الغامض هنا، وإنما سنقرأ مقالاً لأورويل ينتقد فيه أعمال الفيلسوف بيرتراند راسل فيقول: «يبدو أننا ننزلق بسرعةٍ أكيدة نحو عصرٍ يُصبح في جمع اثنين إلى اثنين حاصل خمسة إذا ما خطر للحاكم أن يقول ذلك».

أدت مواقف الرجلين الأخلاقية إلى خلافاتٍ مع زملائهما من كُتّاب العصر. فقد انتقد جون بورسات بشدة رواية «المتمرد» لكامو، وأثار ذلك عداءً بين الاثنين. كلاهما حارب الفاشيّة والشيوعية معاً. وكلاهما اعتبر أن الحقيقة المطلقة مجرّد وهمٍ. ولذا قال أورويل إن الحقيقة ليست سوى عقلية سائدة، لا نظرية منطقية. وقد كتب: «الحقيقة غامضة، هاربة يجب مطاردتها على الدوام». وقد اعتقد الاثنان أن الحقيقة ذروةٌ لا تُبلغ، وإنما تستحقُ عناء الوصول إليها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السُّلّ قتل الأشهرين السُّلّ قتل الأشهرين



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib