مفكرة القرية بغلان حزينان

مفكرة القرية: بغلان حزينان

المغرب اليوم -

مفكرة القرية بغلان حزينان

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

الربيع جاء السنة أيضاً دون تأخير. الأطفال يعودون إلى البيوت متأبطين رغماً عنهم. لأنهم ما إن يأووا إلى ما وراء الجدران حتى يتركوا أحلامهم خارج العتبة. أحلام فيها شجر عالٍ، وصخور متسلقة، وطائرات ورق ملونة، وفيها صبايا وضفائر مشلوحة على كتف واحدة للطوارئ، ولحظة الإغواء.

أعلام الربيع تطل كلها في الصحو. يتحكم فيها صاحبها، ويديرها كيفما شاء، ويملأها سيارات صغيرة، وبلابل خشبية، وكل ما لا يستطيع أن يقتني إلا في الخيال. أما أحلام الليل فتسري تحت الجفون الغافية مثل فراشة ضائعة في ليلة مقمرة كثيرة النجوم.

كأنك تدفعهم دفعاً، أتراب الساحة، للعودة إلى المنازل الصغيرة شبه العارية، الدار ملاصقة لحجرة النوم، ولا مفروشات إلا الحصيرة ومساندها وتكاياتها. لا مقاعد، لا مفروشات، لا طاولات، كأنما بيتنا مثل خيام البدو، لكن جدرانه من طين وحجارة. وجدّي يتصدر فسحة الدار متربعاً، يروي الحكايات متدفقة وقد وسّع الدفء في عروقه.

إنه المساء. وعلينا جميعاً أن نبيت، أي أن نأوي إلى البيوت. والمشاهد نفسها على جانبي الطريق. والناس أنفسهم. و«سليم البغل» يؤدي الدور الأخير من حراثة حقله، يدفع أمامه بغلين، داكنين، حزينين، متعبين، أرهقتهما ساعات التوقيت الصيفي. لماذا لا تضحك البغال؟ ويقول جدي مقهقهاً، وما الذي يضحك في أن يعيش الكائن حياته بغلاً؟ أو بغلين؟

أسرعوا أيها الصغار. عودوا إلى بيوتكم. جدي سوف يبدأ سريعاً في سرد حكاية اليوم. وبفصاحته الجميلة، ومحطات الظرف والسخرية. وكل ربيع تضحك جدتي للنكات والخبريات نفسها، وكأنها لم تسمعها من قبل. كنا نقول إنها لياقة الجدات، وآداب الجدود. أكثر نكات جدي عن البغلين وصاحبهما: فيها شيء منه، يكرر ضاحكاً. ثم يكرر أيضاً: خصوصاً من طباعهما.

قبل الإيواء إلى البيت نستعرض جميع الطقوس: مرور البغلين أولاً وأجراسهما ترن برتابة وأسى، المعلم يغلق باب المدرسة بعدما تأكد أنها خلت تماماً من تلامذته، ويستعد للتوجه نحو قريته القريبة، وأوراق الشجر تحفحف نشيدها المسائي قبل أن يغرق كل شيء في الصمت والعتم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية بغلان حزينان مفكرة القرية بغلان حزينان



GMT 17:44 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

الشهادة القاطعة

GMT 17:43 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

GMT 17:41 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

لا تطمئنوا كثيرًا..!

GMT 17:36 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا؟

GMT 17:34 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إعادة قراءة لتواريخ بعيون فاحصة

GMT 17:32 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إيران دون عقوبات: تمكين الحلفاء بديل النووي

GMT 17:30 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

هل عاد زمن العطارين؟

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:41 2023 السبت ,22 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.5 درجة في اليونان

GMT 07:39 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغجر يحبُّون أيضًا" رواية جديدة لـ"الأعرج"

GMT 15:40 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيفية اختيار لون المناكير المناسب

GMT 23:58 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

ساني يهزم نيمار في سباق رجل جولة دوري أبطال أوروبا

GMT 19:43 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

البدواوي يكشف أن "حتا" شهدت إقبالاً كبيراً من السياح

GMT 14:00 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "إشبيلية" يرغب في التعاقد مع ماركوس يورينتي

GMT 00:51 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

التلفزيون الملون لم يدخل بيوت الآلاف في بريطانيا

GMT 00:29 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

صفية العمري تؤكّد أنها تبحث عن الأعمال الفنية الجيدة فقط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib