فأعز الناس كلهم

فأعز الناس كلهم

المغرب اليوم -

فأعز الناس كلهم

سمير عطاالله
سمير عطاالله

منذ يومين وشبكة «الإنترنت» منقطعة عنا. والمهندس في إجازته الأسبوعية. ومع مضي كل ساعة أزداد اقتناعاً بأن في الأمر مؤامرة كونية، إما من المهندس أو من أصحاب الشبكة، أو من زوجتي التي لا تكف عن التنبيه اليومي: ارحم نفسك. ارفع رأسك قليلاً عن هذه المستعبدة.

والمستعبدة هي «الآيباد». لقد أمضيت عمراً من دونها، ومنذ ظهورها أصبح العمر صعباً من دونها. لا أستطيع أن أتذكر تماماً الخدمات التي توفرها لي رغم محدودية معرفتي بعملها السحري. أقرأ منها الصحف التي أشاء، من كل دول العالم. أتابع عليها في السفر البرامج التلفزيونية في غياب القنوات نفسها. عندما يغيب عني اسم أو تاريخ أو معنى، أستنجد بها. عندما أحار في موضوع لغوي أطلب مشورتها. عندما تقوى الذاكرة في مطلع بيت من الشعر وتوهن في البقية، أعتمد على ذاكرتها. عندما يصعب علي الحصول على كتاب صادر حديثاً، أطرق بابها. وعندما يصعب علي العثور على كتاب قديم فُقد من التداول، أطرق نافذتها. وعندما أحب أن أمتع النفس بشعر أحمد رامي أو تي. إس. إليوت، أو بابلو نيرودا، فهي أقرب مكتبة إلي. أقرب حتى من رفوف المكتبة التي تعمل زوجتي أمينة عليها، كأنما لا تكفيها المشاق الأخرى.

عندما أريد ترجمة كلمة من لغة إلى أخرى في سرعة السحر. وعندما أريد البحث عن مرادفة لكي لا أقع في التكرار. وعندما أريد أن أستعيد خطاباً من تلك التي ألقيت في تسلم نوبل الآداب. أو مناظرة لطه حسين. أو محاضرة لنعوم تشومسكي. أو تلاوة لمحمد صديق المنشاوي.

أو آخر خبر. أو صحف مصر. أو صحف الخليج. أو صحيفتان في بيروت التي كانت صحفها مثل أوراق الشجر. حتى الطعام أصبح في إمكانك أن تطلبه على هذه اللوحة السحرية. وأخبار الطقس بعد خمسة عشر يوماً. ولوحة بيكاسو. وأفلام فاتن حمامة. ووثائقيات الحرب العالمية الثانية. والخطب العربية، قبل وبعد. وسوق الأسهم. وأخبار الشهر الثاني من التحقيقات في انفجار ميناء بيروت الأول، والانفجار الثاني، واللهم نج بيروت وميناء بيروت وأهل بيروت من الثواليث، تماماً كما تنجي أهل اليمن من شؤم يوم الربوع.

بل «وأعز ربي الناس كلهم / بيضاً فلا فرقتَ أو سودا». كما يناجيك سعيد عقل في تحفة الزمن الأول «غنيت مكة». وما هو هذا العالم الذي تحمله إلينا «الآيباد» على مدار الساعات والأيام، لكأنما من ألطافه تعالى عطلة المهندس. لأن عالم السياسة نفسه لا عطلة ولا إجازة. لا يريح ولا يرتاح. نكد في الطلوع وفي النزول. وناس هائمة على وجهها في البر وفي البحر. عالم من ورق في مهب الرياح والأعاصير. بيروت تبحث عن بقاياها وموتاها وغرقاها وأموالها، ونظام يتمشى ويتفشى فوق الجثث باحثاً عن حقيبة وزارية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فأعز الناس كلهم فأعز الناس كلهم



GMT 19:25 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

GMT 15:22 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا الجديدة ومسارات التكيّف والتطويع

GMT 15:16 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا و«حِفظ الإخوان»

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:28 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ملامح ميزانية السودان 2020 تتضمن فرص عمل "هائلة"

GMT 03:28 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

معلومات جديدة عن حياة ديما بياعة في عيد ميلادها الـ43

GMT 21:03 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شنطة الفرو أكّدت عليها شانيل وفندي إطلالة خريف 2019

GMT 04:59 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مواصفات أسطول مطار خليج نيوم الأمني

GMT 02:04 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

شبيهة هيفاء وهبي تثير ضجة على مواقع التواصل

GMT 06:37 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

كيف تعالج مشكلة قضم الأظافر عند الأطفال؟

GMT 03:42 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

تشوبرا تبدو رومانسية خلال استقبال مومباي

GMT 11:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

شقيق الفنانة ياسمين عبدالعزيز يوجه رسالة لها بعد طلاقها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib