ساعة فوكنر

ساعة فوكنر

المغرب اليوم -

ساعة فوكنر

بقلم -سمير عطاالله

تدور رواية «الصخب والعنف»، لـوليم فوكنر، «دار المدى»، حول عائلة من الجنوب الأميركي، ورحلتها الفظة البائسة في الحياة. ومنذ بداية السرد، تنكسر ساعة أحدهم وتسقط عقاربها، لكن محركها يظل يعمل وصوته يُسمع (تك تك)، من دون أي مبالاة بما صار عليه الوقت.
كم تشبه حالة العزل هذه ساعة فوكنر: لا قيمة، ولا أهمية، ولا معنى، لما تشير إليه عقارب الساعة، لكن الوقت ماضٍ في استهلاك نفسه، لا يتوقف ولا يلوي على شيء. وقت الجميع.
لا مواعيد في الخارج، لا التزامات، حتى الجنازات ألغيت، وأعفي المعزون من الحضور. حتى أيام الأسبوع تساوت. حتى نشرة الطقس لم يعد يتابعها أحد، بمن فيهم صيادو السمك. لا شيء له علاقة بأمور الحياة خارج المنزل. حتى المواعيد الدينية أفتي في إلغائها.
كل شيء توقف، أو عُلِّق أو أُجِّل، إلا ساعة فوكنر. تدق وتُسمع دقاتها إلى الجميع. مثل دقات القلب والحياة. تدق في الصين، وتدق في الهند، وتدق على جميع فروقات الوقت في منقلبات الأرض، وفي نصفيها الشرقي والغربي، ولا تتوقف عند أحد أو شيء أو مناسبة.
الخطأ الكبير وقع عام 1345، عندما قسمت الساعات إلى دقائق، والدقائق إلى ثوانٍ، والحياة إلى مواعيد: موعد للغداء، وموعد للعشاء، وموعد للحضور إلى العمل، وحتى مواعيد الحديقة العامة وضفاف النيل. الحروب تحدد بالدقائق، كذلك كسوف الشمس وخسوف القمر وهول الأعاصير. وحدها الأوبئة بقيت بلا توقيت أو موعد. تظهر من اللاشيء وتلغي كل الأشياء. تغلق البيوت والنوافذ، وتخلي الساحات والشوارع، حتى في يوم شم النسيم.
هل يخطر لك أن يأتي يوم تمنع فيه مصر الخروج إلى استقبال شم النسيم؟ لقد أتى. وأنت تعرف ذلك من صوت محرك الساعة، مع أنك لم تلتفت لعقاربها، ولا حاجة بك لذلك. سوف يسجل عليك شم النسيم عاماً آخر من دون أن يأخذ برأيك في المسألة. لا وقت لدى الوقت من أجل كل هذه التفاصيل. إنه لا يراجع الرزنامة، ولا يقرأ الصحف.
هيا، أفد من الوقت. هيا، اربح الوقت. أي وقت؟ لقد أعطتك هذه العزلة «كل الوقت»، وأخذت منك جدواه. في الحقيقة هي تريد أن تثبت لك أنك لا تملك من الوقت سوى إحصاء أرقامه. وفلسفته لا تتغير: ساعة فوكنر هي من يدق ويدون. بلا عقارب. بلا أرقام. في العزل كما في الخروج. فرد أو مليارات البشر.
تذكّر، قال شارل بودلير: في هذه اللعبة، الوقت يربح دائماً، النهار يمضي في النزول، والليل يعم. لا حاجة بنا لمن يذكرنا في لعبة العزل هذه: لاعب واحد ومتفرجون. ورابح واحد. سمِّها، إذا شئت، ساعة فوكنر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ساعة فوكنر ساعة فوكنر



أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:26 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل ريفي في بريطانيا من وحي تصميمات روبرت ويلش

GMT 11:35 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّن حديقة منزلك مع هذه الفكرة الرائعة بأقل تكلفة

GMT 17:00 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يسعى للفوز بذهبية أولمبياد باريس

GMT 06:20 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

230 ألف شخص يشيعون بيليه إلى مثواه الأخير

GMT 15:10 2022 الأربعاء ,23 آذار/ مارس

شركة "توتال" الفرنسية توقف شراء النفط من روسيا

GMT 20:10 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مشروع قانون لتنظيم أسعار المحروقات في المملكة المغربية

GMT 14:16 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

فساتين سواريه للنحيفات المحجبات

GMT 23:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تعرف على قائمة الأسعار الجديدة للسجائر في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib