بلاد جاسيندا

بلاد جاسيندا

المغرب اليوم -

بلاد جاسيندا

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

نيوزيلندا بلد على أطراف الأرض ميزته أكبر المراعي، وأكبر عدد من المواشي. والباقي حياة الرعيان، هدوء ونوم مبكر، وكما غنّت فيروز «سوقي القطيع إلى المراعي- وامضي إلى خضر البقاع».
هادئة، هانئة كانت نيوزيلندا إلى درجة أنها انتخبت أصغر امرأة في العالم (جاسيندا أرديرن، 37 عاماً)، رئيسةً للوزراء. وفي 15 مارس (آذار) 2019 كان على الرئيسة الشابة أن تواجه واحدة من أصعب المحن التي مرّت بالبلاد: قام إرهابي أسترالي بمهاجمة مسجدين خلال صلاة الجمعة، وقتل 50 مصلياً. هزّت المجزرة العالم، إلا السيدة الشابة فدعت جميع الشعب إلى الصمود في وجه الإرهاب وحماية المواطنين المسلمين، ووقفت أمام المساجد تُلقي الكلمات في جميع الناس.
منذ ذلك اليوم أصبحت جاسيندا أرديرن سيدة في مصافّ قادة الدول، ولم تعد بلادها سيدة المراعي فحسب. الخميس الماضي دخلت التاريخ مرة أخرى عندما أعلنت وهي في ذروة شعبيتها، أنها سوف تترك الحكم في 7 فبراير (شباط) المقبل، لأنها لم تعد قادرة على تقديم المزيد للبلاد: «لقد فرغ الخزان، والسياسيون يتعبون مثل غيرهم. لم أعد أملك الطاقة على الاستمرار».
أصبحت أرديرن الآن في الثانية والأربعين. ويتهافت سياسيو العالم على المناصب وهم في العقد العاشر. وتجري المعارك الانتخابية في أميركا وأوروبا مثل حومة الكواسر على فريسة. ثم فجأة صدمة جميلة واعتراف نبيل: «لقد تعبتُ ولن أبقى في مركز لا أستطيع القيام بواجباته».
نادرةٌ النفوس العلياء في السياسة. وفي صورة خاصة لا تعلو نفس على شهواتها السياسية مهما ذلّت كرامتها. وبسبب السياسات تقوم المَقاتل والقبائل والأمم وتُبعثر الأرواح وتُهدر الأجيال، ويعمّ السياسيون البؤس والفقر وهم يتمسكون بمراكزهم غير آبهين لعدد الضحايا الذين يتركونهم خلفهم، ولا عدد الحزانى ولا أعداد الجائعين.
نحن في منطقة لا يمكن أن تظهر فيها جاسيندا أرديرن في صورة رجل أو امرأة. فلا مكان للشعوب في أرضها دائماً. كُتب عليها التشرّد في بلدان الآخرين والذل في المخيمات.
كانت جاسيندا أرديرن حاكمة في بلاد النسيان والمراعي، وإذا بها تلتقط اللحظة التاريخية مرتين في شجاعةٍ أين منها شجاعة الرجال. أولاً في صفع الإرهاب المقيت، وثانياً في التخلّي عن أعلى مراتب السلطة، كأنها تخلع من يدها خاتماً من فضة. وبعد اليوم لن تبحث نيوزيلندا عن لقب لها في الحقول والمروج الرائعة، إذ سوف تُعرف بأنها بلاد جاسيندا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاد جاسيندا بلاد جاسيندا



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 21:49 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 04:44 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

تشدين خاص لسيارات "فيراري دينو" يومي 10 و11 حزيران

GMT 03:22 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فيليكس يدعم التشكيل الأساسي لأتلتيكو مدريد ضد برشلونة

GMT 10:47 2019 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الوداد ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة المريخ السوداني

GMT 17:25 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

المعكرونة بصوص الجبن الرومي والشيدر اللذيذ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib