بقلم : د. جبريل العبيدي
رغم اتهام الجيش الإسرائيلي «حزبَ الله» بالسعي إلى «استعادة قدراته القتالية» في جنوب لبنان، فإن الواقع العسكري والميداني يقول إن قدرات «الحزب» في المنطقة الحدودية مع إسرائيل تراجعت بشكل كبير، وفق تقارير عسكرية وصحافية، وإن «الحزب» يعاني حالياً من قيادة باهتة، متمثلة في أمينه العام، نعيم قاسم، الذي يفتقد الكاريزما السياسية، وتراجُع التمويل الخارجي من إيران، والعقوبات الدولية المفروضة عليه، وأزمة ثقة داخل بيئته الحاضنة.
فرضية استعادة «حزب الله» قدراته العسكرية أمر تعدّه تل أبيب «تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل»، ولكن الحقيقة أن إسرائيل تسعى من خلال عملياتها إلى إرباك الوضع الداخلي اللبناني، في ظل تصعيد قاسم خطابه أمام الضربات الجوية العسكرية الإسرائيلية المتكررة في انتهاك صريح لاتفاق وقف إطلاق النار.
«الحزب» يعاني انقساماً شديداً حتى داخل البيئة الحاضنة، إضافة إلى بروز أصوات معارضة من داخله ترفض استخدام «الحزب» سلاحَه في الصراعات الإقليمية بالوكالة، التي تعدّ تدخلاً سافراً في الشأن اللبناني ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة بالمطلق على لبنان.
الوجع اللبناني يبدأ من التدخل الخارجي عن طريق «حزب الله» وسلاحه، إضافة إلى أزماته الداخلية؛ من شح الموارد، والتضخم، وإخفاقات الحكومات السابقة بسبب التدخل الخارجي، والفشل النخبوي أيضاً، قبل أن يكون بسبب صواريخ وقنابل إسرائيل التي تسقطها على المدنيين في لبنان كما فعلت في غزة، وفي الحالتين الذريعةُ هي: «حماس» في غزة، و«حزب الله» في لبنان.
أقرت الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد الدولة، وفي الأساس سلاح «حزب الله»، لكن «الحزب» رفض التنفيذ بحجة «المقاومة»؛ مما تسبب في حالة إرباك للحكومة اللبنانية، وتصعيد أميركي - غربي برفض تقديم الدعم للحكومة ما دام «حزب الله» متمسكاً بسلاحه خارج إطار الدولة... هذا رغم أن «الحزب» أعلن موافقته على انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني فقط، لكنه تمسك بسلاحه.
النخب الوطنية اللبنانية ترى أن السعي إلى فرض وصايات جديدة مرفوض - لكل الاعتبارات الوطنية والسيادية - كي يكون ذلك منطلقاً إلى بناء الدولة المستقلة التي ترفض تدخل أي دولة أخرى في شؤونها. فالسيادةُ اللبنانية، والتحررُ من العباءة الخارجية، وإبعادُ التدخل الخارجي في شأن لبنان، حقٌ للبنانيين، وكذلك التخلص مما كان يفرضه «حزب الله» قبل سقوطه الكبير وانهيار أكذوبة «الحزب المسلح» وصواريخه عابرة الحدود، التي ضُربت في مخازنها من دون أن يستطيع استخدامها حتى للدفاع عن نفسه؛ مما كشف عن حقيقة أن قادة «الحزب»، وعلى رأسهم الراحل حسن نصر الله، كانوا مجرد خفراء مخازن سلاح في لبنان، وليسوا قادة يمكنهم التصرف في السلاح الذي بين أيديهم.
الرفض اللبناني لهيمنة ميليشيا «حزب الله» عبرت عنه تظاهرات لبنان السابقة في وسط العاصمة بيروت، التي تسببت في اشتباكات بمحيط «ساحة رياض الصلح»، والتي تؤكد رفض خصخصة لبنان لمصلحة «حزب الله» في ظل عجزِ الحكومات والفشلِ النيابي، والابتعادِ عن حلحلة مشكلات المواطن، وحالةِ التضخم والفقر المدقع؛ الأمر الذي هو بحاجة إلى إعادة توازن، وإلا فإن خروج مارد الفقر والجوع والمرض ممتشقاً سيف الغضب لن يتوقف حتى تسقط كل الأصنام التي تقف في طريق الشعب اللبناني.
الوجع اللبناني سببه عجز الحكومات عن معالجة شح الموارد المالية، وعن مواجهة التضخم، ومحاولات وحوش الدولار التلاعب بالعملة الصعبة لإضعاف العملة المحلية لإحراج الحكومة وإظهارها في حالة العجز التام.
الأزمة اللبنانية ليست وليدة اليوم، والمتسبب فيها ليست الحكومة الحالية المغلوبة على أمرها؛ لأنها تَجمُّع لوزراء كتل وأحزاب، وليس رئيسها من اختار غالبيتهم، بل جاءوا من خلال محاصصة حزبية، وبالتالي يتصرفون بوصفهم ممثلين لأحزابهم، خصوصاً وزراء «الثنائي الشيعي»، وليس بصفتهم ضمن حكومة موحدة.
أزمات لبنان لا يمكن اختزالها فقط في حزب مسلح؛ وإن كان هذا هو حجر الزاوية، بل هي أزمات متراكمة؛ بدايتها ميليشيا «حزب الله» التي تتصرف على أنها دولة داخل الدولة، بل وتشارك بمقاتلين في صراعات إقليمية، مع رفض «الحزب» التخلي عن سلاحه، والتصرف بوصفه حزباً سياسياً وليس ميليشيا مسلحة.