المليارديرات يسخرون من ذكائنا

المليارديرات يسخرون من ذكائنا

المغرب اليوم -

المليارديرات يسخرون من ذكائنا

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

ينتقل مليارديرات العالم، من الذكاء إلى التذاكي الأحمق، مصرّين على إيهامنا، بأنهم يمتلكون حلولاً لكل الكوارث التي يتسببون بها. أما الهدف الأساس فهو المضي في مشاريعهم الاستثمارية، ولو كلف ذلك إفناء البشرية.

وبينما يقرع أنصار البيئة أجراس الإنذار محذرين من الاستهلاك المجنون للكهرباء والمياه، من أجل تشغيل الذكاء الاصطناعي وتطويره، وجعله أداة تحول جذرية للحياة البشرية، يقدم مليارديرات الكوكب حلولاً، يمكن وصفها بالحمقاء والسوريالية، وكأنهم يسخرون من العباد. ويتواصل سباق الاستثمارات بمئات المليارات لجعل هذا الذكاء سريعاً، أكبر من قدرتنا على استيعابه أو حتى فهم مثالبه.

يصرف الذكاء الاصطناعي، وهو لا يزال غبياً، نحو 2 في المائة من كهرباء العالم. وفي أميركا يصل استهلاكه إلى 4 في المائة، في بلد يعاني أصلاً من شحّ، وينتظر أن يرتفع الاستهلاك بشكل كبير خلال 3 سنوات فقط. ثمة ولايات عانت من أعطال في الشبكة، مع قوة الضغط حتى إنها مهددة بالانهيار. في رأي خبراء أن استمرار المشكلة في الولايات المتحدة، سيجعل فوز الصين بالسباق حتمياً، مما حدا بالرئيس ترمب إلى إطلاق «حالة طوارئ» كهربائية. لكنّ هناك تشاؤماً من إمكانية تنفيذها بالسرعة الكافية لتأمين الفوز.

تستهلك مراكز البيانات في السنة، ما تحتاج إليه بيوت لبنان في خمسين سنة. وتصرف الـ«داتا سنتر» ما يضيء 100 مليون بيت في سنة كاملة. كما يحتاج المركز الواحد لكميات مهولة من المياه لتبريد معداته، تقدّر ما بين 3 إلى 5 ملايين غالون ماء يومياً.

الحاجة للماء والكهرباء، بسبب التطور الموعود ستتضاعف خلال السنوات الخمس المقبلة. فالخوادم تعمل على مدار الساعة، وهي تهدر وتسخّن الجو، وتبتلع المياه، في مناطق سينتهي بها الأمر إلى العطش.

تشيلي مجرد مثل حزين على ما ينتظر كثيرين. فهي مسكونة بجنون الـ«داتا سنتر» وبلعب دور الريادة، مما يشعر سكانها بالرعب. فقد سمحت لـ«غوغل» باستهلاك 50 ليتر ماء في الثانية مجاناً لتبريد مراكزها، وتخطط الشركات العملاقة الأميركية، لتشييد ما يقارب مائة مركز للبيانات هناك، مما ينذر بكوارث بيئية للتشيليين.

هناك تقليل من شأن المخاطر، ومحاولة لإقناعنا بأن الطاقة الخضراء قادمة، علماً أن كل عمليات إنتاج وتشغيل هذا الذكاء الجديد، من استخراج المعادن النادرة إلى التدريب والتشغيل، كلها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري الذي يبث السموم. كما أن ما تسمى الطاقة البديلة حين تصبح ضخمة الحجم، لا نعرف كيف يمكن تدوير ملايين الأطنان من بطارياتها وألواحها ومعداتها.

خوادم الشركات العملاقة، تبرد نفسها يومياً، بكمية مياه تكفي لري آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، فيما السماء تغص بالمطر كل سنة أكثر.

جهود تبذل لتحسين أداء مراكز البيانات، وفرملة نهمها، لكن الجشع البشري على المعلومات، والسباق الهوسي المحموم، يجعلان شبح العطش والجفاف والخراب الكوني الذي بدأ يتراءى من بعيد، آخر هموم المطورين، أما الأولوية فهي للكسب والربح ورفع راية الانتصار.

لتهدئة الخواطر، يقترح إيلون ماسك وجيف بيزوس، نقل المراكز برمتها إلى القمر. حيث هناك لا شمس ولا سحب ولا جمعيات بيئية تنظم التظاهرات وتكتب البيانات. يسخرون منا. نحن لم ننسَ بعد رائدي الفضاء الأميركيين، اللذين ذهبا في رحلة مدتها ثمانية أيام، وبسبب عطل بقيا تسعة أشهر، ولم تفلح عظمة «ناسا» ولا عبقرية سبايس إكس في إعادتهما إلى الأرض، وتركا هناك إلى أن أرجعهما الرئيس ترمب بوعد انتخابي. هذه وحدها فضيحة. فكيف نصدق من لم يتمكن من إعادة شخصين، في أنه سينقل أطنان المعدات المعقدة، مع مشغليها ومراقبيها إلى القمر، لا إلى الفضاء.

أما الاقتراح الهميوني الآخر فأتى من ماسك العظيم الذي ارتأى أن تبريد الأرض ممكن بنشر أقماره الاصطناعية التي تعمل بالذكاء المصنّع حول الأرض للحد من حرارة أشعة الشمس. لكنه اضطر بعد ذلك إلى أن يعترف بقصر نظره، تحت ضغط آراء الخبراء، ويقرّ بأن حجب كمية كبيرة من أشعة الشمس قد يؤدي إلى انخفاض حاد في درجات الحرارة وتحويل الأرض إلى «كرة جليدية».

كل إيميل، كل صورة، كل سؤال يوجه للذكاء الاصطناعي، له كلفته على البشرية. تصوير هذه الخدمات الجليلة على أنها تتساقط علينا من السماء، وتغمرنا كنعم مجانية، نفاق كريه، بانتظار اكتشاف عمق الكارثة. من مصلحة الصين وأميركا أن تستمرا في الرالي الذي انطلقتا به صوب المستقبل. لكن ليس من حق أحد أن يراهن على ما يمكن أن يتسبب بخراب عالمي يدمّر الأرض، بينما يصمّ المخربون آذانهم عن المنتقدين، ويعاملونهم كالبلهاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المليارديرات يسخرون من ذكائنا المليارديرات يسخرون من ذكائنا



GMT 17:49 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المكتب البيضاوي

GMT 17:47 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان و«حزب الله» وحافة الهاوية

GMT 17:45 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجابة العميقة عن سؤال 11 سبتمبر

GMT 17:43 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ملكات مصر

GMT 17:37 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

عصر اللايقين ودبلوماسية القوى العظمى

العبايات بحضور لافت في أناقة الملكة رانيا

عمان - المغرب اليوم

GMT 16:48 2025 الجمعة ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تتألق بزي سعودي تراثي في مهرجان «واو» بالرياض
المغرب اليوم - هيفاء وهبي تتألق بزي سعودي تراثي في مهرجان «واو» بالرياض

GMT 16:07 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

خمسة مواقع لا تُفوَّت لمشاهدة الغروب في لندن
المغرب اليوم - خمسة مواقع لا تُفوَّت لمشاهدة الغروب في لندن

GMT 16:03 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

دليل عملي لغسل الستائر في المنزل بسهولة وفعالية
المغرب اليوم - دليل عملي لغسل الستائر في المنزل بسهولة وفعالية

GMT 19:35 2025 الجمعة ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الصليب الأحمر الدولي يُعلن خفض ميزانيته لعام 2026 بنسبة 17%
المغرب اليوم - الصليب الأحمر الدولي يُعلن خفض ميزانيته لعام 2026 بنسبة 17%

GMT 22:12 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل نسبة ملء السدود الرئيسية في المغرب

GMT 07:19 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

تعرّض شاحنة للسرقة في أحد أحياء مدينة طنجة

GMT 18:39 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

الإصابة تبعد عمر بوطيب عن الرجاء البيضاوي

GMT 23:57 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

العثور على جثة شخص قرب إذاعة "ميدي1" في طنجة

GMT 00:11 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

أحمد سلامة يوضح أنه يؤدي أدوار الشر بشكل "شيك"

GMT 16:14 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

منتخب إسبانيا مهدد بالاستبعاد من كأس العالم 2018

GMT 02:21 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الإفراج عن أول الأمراء المعتقلين في المملكة السعودية

GMT 23:53 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

جادون سانشو أول لاعب إنجليزي في صفوف بوروسيا دورتموند

GMT 07:13 2015 الجمعة ,04 أيلول / سبتمبر

بينـنـا و بـيـنـكم الشـعب

GMT 09:34 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

11 وسيلة يوصي بها الخبراء المرأة النيجيرية للتخلص من معاناتها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib