ما وراء تكريم زياد الرحباني ونزع التكريم عن حافظ الأسد

ما وراء تكريم زياد الرحباني ونزع التكريم عن حافظ الأسد

المغرب اليوم -

ما وراء تكريم زياد الرحباني ونزع التكريم عن حافظ الأسد

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

في إعلان الحكومة اللبنانيّة أنّ «جادة حافظ الأسد» صارت تُسمّى «جادة زياد الرحباني»، ما يتعدّى إبدال اسم باسم إلى إبدال طريقة في النظر إلى العالم بطريقة أخرى. وهذا، في أغلب الظنّ، ما حوّل القرار إلى مادّة ملتهبة في التواصل الاجتماعيّ والإعلام، سيّما وأنّه أُعلن بعد دقائق على انتهاء جلسة الحكومة المخصّصة لسحب السلاح غير الشرعيّ من التداول.

فالوزراء الذين وافقوا على القرار هذا كان الكثيرون منهم لا يتّفقون مع آراء الموسيقار والفنّان الراحل السياسيّة، ومثلهم كان قطاع من جمهرة المحتفلين بالقرار لمجرّد أنّ «خصمهم» زياد الرحباني يستحقّ التكريم. وقبل أيّام فحسب احتشد، في جنازة الرحباني، عدد من «خصومه» السياسيّين الذين كانوا يكرّمون المبدع والإنسان اللذين كانهما الراحل. واللافت أنّ التكريم حصل في منطقة لا يربطها ودّ سياسيّ بالفقيد.

والحال أنّ هذه الطريقة في النظر إلى العالم تستأنف تقليداً عرفه لبنان في الزمن السابق على حربه الأهليّة، مفاده عدم تلخيص البشر في مواقفهم السياسيّة، والقدرة تالياً على رؤيتهم كائناتٍ ذوي أبعاد أغنى وأكثر. ومن هذا القبيل احتوت مناهج التعليم مثلاً تعريفاً للتلامذة بشعراء وأدباء ناصبوا التركيبة اللبنانيّة التقليديّة عداءً مُرّاً. وكان في عداد هؤلاء قوميّون عرب كرشيد سليم الخوري، وقوميّون سوريّون كفؤاد سليمان وسعيد تقيّ الدين، وشيوعيّون وأصدقاء للشيوعيّين كعمر فاخوري ورئيف خوري... وعملاً بالتوجّه نفسه، رُخّص، في الحقبة الممتدّة بين الخمسينات والسبعينات، لصحف ومجلات يعتبرها أيّ لبنانويّ ضيّق الأفق خطراً على لبنان. وفي الخانة هذه اندرجت مجلاّت شهريّة كـ«الآداب»، أو أسبوعيّة كـ«الحرّيّة» و«الهدف»، وصحف يوميّة كـ«المحرّر» و«السفير» و«النداء»...

في المقابل، فإنّ أصحاب العقليّة الأخرى المسيّسة حتّى النخاع، والتي يجتمع فيها الحسّ القبليّ والطموح التوتاليتاريّ، أزعجهم أن يكرّم الرحباني مَن لم يتّفقوا معه سياسيّاً، ولا اتّفق معهم. وهم راعَهم تكريم الشاعر سعيد عقل، عند وفاته قبل عشر سنوات، لا لسبب يتّصل بشاعريّته، إذ اتّصل سبب الانزعاج بمواقفه السياسيّة حصراً. وعلى مدى عقود، شكّل هؤلاء الامتداد الثقافيّ لبندقيّتي «حزب الله» والأمن السوريّ، فارضين على اللبنانيّين أيّ الكتب يترجمونها أو يقرأونها وأيّ الأفلام والمسرحيّات يحقّ لها أن تُعرض، وهذا تبعاً لمعيار سياسويّ ضيّق ينحاز إليه المذكورون.

وهؤلاء، وهم أرادوا فعلاً تكريم الرحباني بسبب مواقفه السياسيّة وما ينعكس منها على فنّه، شاؤوا أن يكون التكريم بإطلاق اسمه على شارع الحمرا تحديداً، بذريعة أنّه عاش هناك. لكنّ شيئاً من سوء الظنّ، الذي هو «من حُسن الفِطن»، يحمل على افتراض رغبة سوداء وراء هذا الاقتراح، مفادها توسّل تكريم الرحباني للتخلّص من شارع الحمرا واسمه. وتكفينا معرفة حدّ أدنى بتاريخ هذا الشارع الكوزموبوليتيّ، الذي لم ينفصل ازدهاره عن وجود الجامعة الأميركيّة في بيروت، وعن حضور الأجانب فيه (والذين خطف بعضَهم «حزب الله»)، لنحسّ بقلّة البراءة خلف اقتراح كهذا.

أمّا الاعتراض على إلغاء اسم الأسد الأب فيندرج في هذا التأويل ذاته. فالأسد وجه واحد وحيد هو وجهه السلطويّ كضابط استولى على بلده بالانقلاب العسكريّ، فأخضعه وأعمل فيه السيف. وهو لم ينجح في شيء كما نجح في إذلال اللبنانيّين، بعد السوريّين. وبهذا المعنى فوجود جادة تحمل اسمه (أو اسم قاسم سليماني أو الخمينيّ...) تذكير بأنّ اللبنانيّين سيبقون محكومين بهذه العلاقة التي تسيّس النظر إلى الكون فيما تنزع عنهم السياسة وتمضي في عزلهم عن العالم.

فليس ممكناً بالتالي إعمال الفرز والتمييز داخل شخص الأسد وتجربته، كأنْ نقول إنّنا نكره سياسته لكنّنا نحبّ غناءه أو عزفه أو حبّه للطبيعة...

وكان النجل الراحل باسل، حينما أريد إضفاء وجه «الفارس» عليه، قضى على منافسه الذي استحقّ وحده أن يكون «فارساً».

أمّا بشّار، النجل الآخر الذي ورث أباه في الحكم، فلم يكن أهلاً للتعبير عن البُعد الوحيد الذي نُسب إليه، أي البُعد السياسيّ. وكان واضحاً أنّ شخصه المُجَفِّف للمعاني والأبعاد هو كلّ ما لديه ولدينا.

فوق هذا وقبله، فكلّ تمسّك بجادة لحافظ إعلان عن كراهية المتمسّكين بها للشعب السوريّ الذي عانى ما عاناه على يديه قبل أن يحطّم تماثيله ويمزّق صوره. لا بل إنّ اللبنانيّين أنفسهم حينما انتفضوا، عام 2005، على النظام الأمنيّ السوريّ – اللبنانيّ الشهير، أزالوا نُصباً لحافظ ولابنه باسل في غير منطقة من لبنان.

وما يُؤمل اليوم هو أن يكون هذا القرار الأخير مدخلاً لإبدال مزدوج يطال، من جهة، تقييم الأمور التي تعرض لنا في حياتنا، ومن جهة أخرى، طبيعة فهل نقول وداعاً لتكريم سياسيّين وعسكريّين واحدي البُعد وشديدي الاعتماد على القهر. تكريم هؤلاء يدلّ إلى طباع العبيد وأخلاقهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء تكريم زياد الرحباني ونزع التكريم عن حافظ الأسد ما وراء تكريم زياد الرحباني ونزع التكريم عن حافظ الأسد



GMT 19:37 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

شرق «الكابينت» وجديده

GMT 19:22 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

عراقي في الخَليَّة

GMT 19:18 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

نتنياهو ــ غزة... «الخيار جدعون» لا يفيد

GMT 19:13 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

(الست) وحديث السيجارة!!

GMT 19:11 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

المفاجأة القادمة في الشرق الأوسط

GMT 19:09 2025 الأحد ,10 آب / أغسطس

الثورة والثروة

نانسي عجرم تتألق بفستان فضي من توقيع إيلي صعب في إطلالة خاطفة للأنظار

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:50 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

درة تتألق بإطلالات صيفية ملهمة في 2025
المغرب اليوم - درة تتألق بإطلالات صيفية ملهمة في 2025

GMT 15:46 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 23:36 2021 الجمعة ,15 تشرين الأول / أكتوبر

علاج فورما للبشرة هو بديل ممتاز لعمليات شد الوجه

GMT 15:22 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

مقتل شخص وإصابة آخر بجروح خطيرة في حادثة سير

GMT 20:09 2018 الثلاثاء ,14 آب / أغسطس

هبوط أسهم شركة "اتلانتيا" الإيطالية

GMT 06:37 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

اللبنانية بولا يعقوبيان تنتقل إلى تلفزيون الجديد

GMT 05:06 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

"لوس أنغلوس تايمز" تتعرض الانتقادات من رواد "تويتر"

GMT 17:14 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

أعرفك.. وشم على نبض القلب، ونفحة من روح السماء!

GMT 01:55 2012 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

خفض قيمة قصر بيل أير إلى 25 مليون إسترليني

GMT 17:13 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب أتلتيكو مدريد يكشف سر الانتفاضة أمام ليفانتي

GMT 16:17 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

معارك القرود تساعد على كشف "النقطة الحرجة" للحيوانات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib