بلدان تحلو فيها تمضية العمر

بلدان تحلو فيها تمضية العمر

المغرب اليوم -

بلدان تحلو فيها تمضية العمر

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

إن البلدان التي تعنينا في المقام الأول هي بلداننا العربية والإسلامية، وهي التي أصبح لا خيار أمامها إلا أن تكون أوطاناً يحلو فيها العيش والحلم والإنجاز وقضاء العمر. ونحن هنا لا نتحدث عن ترف أو نعبر عن أمنية، بل إن نقاطاً عدّة تفرض على دولنا أن تتحول إلى بلدان يحلو فيها العيش، ويثمر فيها الحلم إذا كنا فعلاً نرغب في الاستمرار والوجود كمجتمعات.

في العقود الماضية كان الشباب وغيرهم من الفئات العمرية عندما يجدون أمامهم الآفاق غير رحبة، وتصادفهم العقبات ذات الصلة بالعالم الثالث، والفساد والتخلُّف، فإنهم كانوا يهاجرون وينحتون لأنفسهم مستقبلاً مختلفاً في بلدان موصوفة بسعة الأفق والفرص والتقدم، وكما نعلم فإن كفاءات كثيرة هاجرت وأعطت خير عقولها وعبقريتها لأوروبا والغرب عموماً، وقد حرم ذلك بلداننا من الاستفادة من هذه العقول في تحقيق التنمية وتأمين مسار التحديث والابتكار.

هذه المسألة هي ما اصطلح على تسميتها وتوصيفها بهجرة الأدمغة. وتوازياً مع هجرة الأدمغة من المهم التذكير أيضاً بأن أوروبا عوّلت إلى حد كبير على سواعد رجالنا العرب؛ حيث كانوا يمثلون اليد العاملة التي تكفلت ببناء البنية التحتيّة لوسائل النقل في مدن أوروبا، وأمّنت من ثم اقتصاد النقل ومجال التجارة وغير ذلك من المجالات الحيوية.

اليوم تغيّر حال الغرب، لم يعد بحاجة إلى سواعدنا؛ لذلك أقفلت الأبواب أمام شبابنا، باستثناء بعض الدول التي تعاني من تهرم سكاني، وهي بحاجة إلى اختصاصات دقيقة. في مقابل ذلك، فالملاحظ من خلال الأرقام والإحصاءات أن الغرب بات معنيّاً فقط بتوريد كفاءاتنا من المهندسين والأطباء بشكل أساسي، مع تقديم أجور زهيدة وصيغ عمل بعقود محدودة الزمن. وكمثال على ذلك، نشير إلى أن تونس في كل عام يغادرها مهندسون وأطباء، وهذا في الحقيقة أمر مقلق ومؤسف؛ لأن هذه الظاهرة مزعجة بشكل مضاعف: أولاً، لأن شباباً في عمر العطاء يُغادر ليفيد مجتمعاً آخر مقابل توفير بعض الامتيازات، وثانياً، لأن المجموعة الوطنية تنفق على تعليم هذه الكفاءات الشابة، وعندما يحين وقت الاستفادة منها تأخذ الحقيبة وتُحلّق في سماوات أوروبا والغرب.

المشكل اليوم، وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية في كل العالم، وتفشي ظواهر البطالة في دول مثل فرنسا، فإن خيار الهجرة لم يعد يُمثل ذلك الملاذ المربح، كما كانت الحال مع الأجيال السابقة، وباستثناء الكفاءات العباقرة فإن التحصيل المالي يظل أقل من كفاءات أوروبا.

كل عام في هذه الفترة يُسافر الآلاف من شبابنا الحائر شهادة البكالوريا (تُسمى في بعض بلداننا الثانوية العامة) نحو الغرب للدراسة الجامعية، مع حلم الاستقرار المهني هناك، ونرى العائلات في مجتمعاتنا تستثمر في هذه الفرضية الكثير من المال، وتتلقّى الخيبات في أحايين كثيرة. ذلك أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا زاد من صعوبة التعايش بسبب ما يلاقيه شبابنا من تمييز عنصري، إضافة إلى تكبد مشقة الغربة وتحدياتها.

ولا يخفى أن الغرض الأساسي من الهجرة تحت عنوان الدراسة الجامعيّة ليس الدراسة فقط، لأن أغلبية بلداننا فيها جامعات عمومية وخاصة وأجنبية، بل إن هاجس تأمين العمل وتأسيس مستقبل خارج الوطن الأصلي هما الهدف الأكبر.

إن فرار الشباب إلى الخارج للدراسة والبحث عن عمل، رغم كل صعوبات الحصول على تأشيرة دخول إلى الفضاء الأوروبي والغربي، يُمثل ظاهرة خطيرة جداً بكل المعاني، وأولى دلالات هذه الخطورة هو الحلم خارج الوطن وانتشار عدوى الهجرة، وكأن أوطاننا لا تحيا فيها الكفاءة.

ماذا يعني ألا يظل من الشباب غير المضطر للبقاء؟ هل يمكن بالبقاء الاضطراري بناء تنمية وتحقيق تقدم؟ وأيّ بناء يمكن أن يُشيد وأفضل الكفاءات تُسافر لتعزز تقدم بلدان أخرى؟

هناك مشكل كبير يجتاح شبابنا من خريجي الجامعات، الذين يمثلون الثروة الحقيقية لأي مجتمع، بما يعنيه من كفاءة وذكاء وأفكار نحن في أمسّ الحاجة إليها. لذلك فإن الحل ليس في فرض شروط تُجبرهم على البقاء، والعمل لسنوات من أجل تسديد دين المجموعة الوطنية التي أنفقت على تعليمهم، وإنما الحل بكل بساطة هو أن تتحول بلداننا إجبارياً، ومن منطلق الضرورة القصوى، إلى بلدان تترعرع فيها الكفاءة، وتجد مناخاً متكاملاً يساعدها على الحلم والتقدم والعمل وحسن التقدير المالي والمعنوي لها.

فما يضرنا لو أصبحنا مجتمعات يحلو فيها العيش والحلم والعمل والإنجاز؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلدان تحلو فيها تمضية العمر بلدان تحلو فيها تمضية العمر



GMT 19:27 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الفرح ليس حدثاً

GMT 19:13 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

من نيويورك إلى غزّة

GMT 19:10 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تلك الصورة في البيت الأبيض

GMT 19:07 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

زغلول النجّار.. ودراما الإعجاز العلمي

GMT 19:04 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان: المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

GMT 19:02 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

طيور المحبة بين الرياض والقاهرة

GMT 18:58 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الخوف على السينما فى مؤتمر النقد!

GMT 18:55 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

السيمفونية الأخيرة

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء

GMT 16:12 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره الهنغاري

GMT 01:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتكوين تقترب من 100 ألف دولار مدفوعة بفوز ترامب

GMT 05:10 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

كريم بنزيما أفضل لاعب في العام جلوب سوكر 2022
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib