التّونسيون والإطاحة بفكرة الاحتفال بثورتهم

التّونسيون والإطاحة بفكرة الاحتفال بثورتهم

المغرب اليوم -

التّونسيون والإطاحة بفكرة الاحتفال بثورتهم

آمال موسى
بقلم :د. آمال موسى

عادة ما يرتبط الحديث عن الاحتفال بالمظاهر؛ لذلك يعكف المراقبون السياسيون في الاحتفالات السياسية المهمة على رصد حجم مظاهر الاحتفال ومعاينة مدى الخفوت أو الحماسة فيها. فالاحتفال بأي تاريخ ما هو إلا انعكاس لرؤيتنا لذلك الاحتفال، وهو أمر ينطبق على الاحتفال بما هو شخصي وأيضاً بما هو عام. فاحتفال المرء بعيد ميلاده مثلاً يختلف من شخص حقق إنجازات وتقدير ذاته في مستوى عال إلى شخص آخر عاطل أو معطل عن العمل وحياته ثابتة من حيث المنجز ومتحركة زمنياً لا غير. وأيضاً السعيد في زواجه يحتفل بعيد زواجه بفرح ورضا، في حين أن غير الموفق في زواجه ويهيمن عليه شعور الاختيار الخطأ سيكون تاريخ زواجه مناسبة للندم.

هذا على الصعيد الشخصي الذاتي الضيق، فكيف يكون الحال بالنسبة إلى الأحداث الكبرى في حياة الشعوب؟ وبشكل خاص ودقيق ماذا يعني بعد عشر سنوات من تاريخ حدوث الثورة التونسية الذي وافق أمس 14 يناير (كانون الثاني)؟ هل يمتلك التونسي اليوم مبررات الاحتفال بثورته؟ هل تاريخ الثورة يمثل ذكرى لاستعادة طي صفحة من تاريخ تونس والانطلاق في كتابة تاريخ جديد أكثر كرامة مادية ومعنوية؟

طبعاً تداعيات «كورونا» وارتفاع عدد الإصابات والوفيات عامل مهم في غياب مظاهر الاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة التونسية، خصوصاً أن إعلان الحكومة التونسية العودة للحجْر الصحي الشامل تزامن مع تاريخ الثورة، الأمر الذي يجعلنا نلاحظ بحذر شديد مدى العلاقة بين انطلاق الحجْر الصحي الشامل يوم 14 يناير ليستمر أربعة أيام وبين التخوف من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية تعبيراً عن الغضب من ضعف المنجز طيلة العقد الأخير. فلا شيء يحدث صدفة في السياسة، ودليلنا في هذه القراءة أن ارتفاع عدد المصابين بـ«كوفيد - 19» حصل منذ أسابيع واشتد من أيام، ورغم الارتفاع الهائل والمفجع للأرقام فإن وزير التربية مثلاً رفض إيقاف التدريس وإغلاق المدارس وأصر على السير العادي للعملية التربوية في التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي، والحال أن المدارس شهدت حالات إصابة عدّة في صفوف المعلمين والأساتذة.

لنقل إن المخاوف إضافة إلى انتشار الفيروس وصعوبة تطويق هذا الانتشار أديا إلى التعجيل بقرار الفرض الصحي وإيقاف التدريس إلى غاية 24 من الشهر الجاري.

إذن هذه المؤشرات تعني أن الشعب التونسي اليوم فقد حالة الاحتفال ولم تعد لديه أسباب ذلك، ولا نظن أن هذا الفقد يعود إلى الجائحة فقط؛ فهي - أي الجائحة - قد عمقت المشاكل وعطلت الحل، إذ إن الشعور بالمرارة والإحباط من أداء الحكومات المتتالية في العشرية الأخيرة سابق للجائحة.

لا شك في أن أسباب الإطاحة بفكرة الاحتفال متعددة (كل شيء هو في نهاية الأمر يبدأ وينتهي فكرة)، ولكن حسب تقديرنا فإن السبب الأكبر وراء ضعف حصاد العشرية الأولى لما بعد تاريخ اندلاع الثورة في تونس إنما يتصل بظاهرة الحقد الآيديولوجي بين حركة «النهضة» والمنتمين إليها وغيرهم من مكونات الحقل السياسي الراهن. حقد دفين وظاهر لم يخضع لأي محاولة عقلنة، وظل يعبر عن نفسه بالرفض والإقصاء والمزايدات والإساءة والسبّ والتشهير والتقزيم والعداء... فالتجاذب الآيديولوجي التاريخي القديم أظهرت مرحلة ما بعد الثورة أنه أمر ثابت ومتغلغل ومن الصعب تجاوزه؛ لأن كل الانهيار الاقتصادي والمالي لم ينفع في الحد منه والانصراف عنه نحو البناء وتحقيق توقعات التونسيين. بل إن هذا الحقد مع الأسف قد أدى إلى رجاء المعارضين للأحزاب الحاكمة وعلى رأسها حركة «النهضة» الفشل، حتى يتم إزاحتهم والقضاء عليهم، والحال أن فشل أي حزب يحكم يعني ضرر الشعب التونسي وتفاقم مشاكله وارتفاع العاطلين عن العمل والفقراء والإحباط.

هذا ما يفعله الحقد عادة. إلا أنه عندما يكون في أطر سياسية تكون تكلفته مضاعفة عدة مرات. بلغة أخرى فإن التجربة أكدت أن الحقد الآيديولوجي يدفع فاتورته الشعب. حقد تمارسه النخب السياسية الفكرية ويعاني من تداعياته الشعب وتحديداً الفئات الهشة اقتصادياً وأيضاً فئة الشباب التي تجد نفسها محاطة بالأفق المسدود في لحظة تبحث فيها عن سبل تحقيق الذات وتنميتها.
طبعاً الخاسر الأكبر من الصراع الآيديولوجي العنيف في تونس هم الإسلاميون السياسيون. واليوم بعد عشر سنوات تقول نتائج الانتخابات سواء في 2014 وبشكل أكبر في 2019 إن الثقة الشعبية بالإسلام السياسي تراجعت إلى أدنى مستوياتها. بل إن الخسارة لم تنحسر في علاقته بعموم الشعب بقدر ما شملت داخل الحركة نفسها من خلال مظاهر الانشقاق، واستقالة قيادات قديمة منها، وظهور قوائم من داخل الحركة تطالب رئيس حركة النهضة بالاستقالة والاكتفاء برئاسة شرفية للحركة.

لم يعد «النهضويون» منضبطين حركياً، وهذا في حد ذاته أكبر خسارة يمكن أن يمنى بها الإسلام السياسي القائم أساساً على الانضباط الحركي. كما أن الحركة متهمة اليوم بكونها اختطفت الثورة وأطاحت بالقدرة على الاحتفال بها في ظل منجز فائق السلبيات والتراجعات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التّونسيون والإطاحة بفكرة الاحتفال بثورتهم التّونسيون والإطاحة بفكرة الاحتفال بثورتهم



GMT 19:25 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

GMT 15:22 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا الجديدة ومسارات التكيّف والتطويع

GMT 15:16 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا و«حِفظ الإخوان»

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 21:08 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الأحداث المشجعة تدفعك?إلى?الأمام?وتنسيك?الماضي

GMT 03:15 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نجاة ممثل كوميدي شهير من محاولة اغتيال وسط بغداد العراقية

GMT 08:02 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

آرسين فينغر الأقرب لتدريب ميلان خلفًا لغاتوزو

GMT 04:11 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

صابرين سعيدة بـ"الجماعة" وتكريمها بجائزة دير جيست

GMT 14:57 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عمرو الليثي يستضيف مدحت صالح في "بوضوح" الأربعاء

GMT 14:14 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

المدن المغربية تسجّل أعلى نسبة أمطار متساقطة خلال 24 ساعة

GMT 03:21 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

ظروف مشحونة ترافق الميزان ويشهد فترات متقلبة وضاغطة

GMT 06:15 2017 الجمعة ,24 آذار/ مارس

ورم الكتابة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib