صراع الحضارات اليونان والفرس والعرب

صراع الحضارات... اليونان والفرس والعرب

المغرب اليوم -

صراع الحضارات اليونان والفرس والعرب

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الميثولوجيا اليونانية تروي أسطورةً عن «كساندرا» أنها امرأةٌ تمتلك قدرةً خارقةً على رؤية المستقبل في الزمان والميثولوجيا الفارسية تعتمد على كثيرٍ من الأساطير التي تحكي تفسير الماضي من خلال الخرافات، مثل «آرش الرامي» الذي كانت نهايته نهايةً محزنةً؛ لأنه مات من استنفاد قوته، ومثل «رستم وسهراب»، حيث قتل رستم ابنه سهراب دون أن يعرف، لتبقى قصة حزينةً عن صراع الآباء والأبناء، بينما تروي الميثولوجيا العربية أسطورة شهيرةً عن «زرقاء اليمامة»، تلك المرأة العربية التي تمتلك رؤيةً خارقةً ممتدةً في المكان.

فالعرب عند مقارنة التراثين: اليوناني والفارسي، يأتون في المنتصف، تأثراً وتأثيراً، في المنتصف الإيجابي لا السلبي، بالمعنى الحضاري، فهم أثروا كثيراً في الأدب الفارسي في بنائه وإعادة تشكيله وتبيئته داخل الإسلام وداخل الثقافة العربية، وأثروا وتأثروا بالأدب اليوناني فلسفةً وفكراً، ونتج عن هذا التوسط العربي عدد من العلوم؛ كعلم الكلام وعلم الفلسفة الإسلامية.

القارئ للواقع المعاصر وصراعاته في المنطقة والعالم يجد شيئاً من التاريخ في ثنايا الحاضر، وشيئاً من التراث بين دفتي الواقع، علوماً وسياسةً وصراعاً، ما يمنح القارئ النبيه مقارناتٍ وحكماً يحتاج إلى تقطيرها للاستضاءة بها في دهاليز المشاهد الضبابية والأحداث المتشابكة.

على الضفة الأخرى من العالم، تعيش أميركا صراعاً سياسياً خطيراً، يتضمن الصراع على تاريخها وهويتها وطبيعتها كما يتضمن الصراع على مستقبلها ومن يشكّله ويساهم بقوة في صناعته، هل هو الحزب الديمقراطي الذي سيطر عليه «اليسار الليبرالي» مع أوباما وخلفه بايدن، والمرشحة الحالية كامالا هاريس، أم الحزب الجمهوري الذي يسيطر عليه التقليديون ومرشحه الحالي والرئيس السابق دونالد ترمب، الذي تبدو حظوظه أكبر بكثيرٍ من منافسته.

مع الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش ومناصريه من «المحافظين الجدد» شهد العالم لحظةً تاريخيةً فارقةً، حيث ظهر صدامٌ حضاريٌ عَصِيٌّ على الفهم بين «الحضارة الغربية» الوارثة الطبيعية للحضارة اليونانية، والحضارة العربية تحت مبرراتٍ شتى، ثم بعد ما يقارب الربع قرنٍ من الزمان تجلت الحقائق عن أن تنظيم «القاعدة» كان يعمل لصالح الحضارة الفارسية في تمثّلها المعاصر، وأصبحت بعض قرارات الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن محل تندرٍ حين قرر ضرب العراق وأفغانستان.

هذه جدالات وأسئلةٌ وسياقاتٌ تجمع بين التاريخ والثقافة، بين الماضي والحاضر، بين ما جرى وما يجري، وهي ليست معنيةً بتفاصيل الأحداث الآنية والمعارك المعاصرة والصراعات السائدة، ومن هنا فقبل أربعةٍ وعشرين عاماً راجت دعاية المحافظين الجدد التي كان ملخصها أن «التشيع» ذا البعد الفارسي يمثل الأقلية الديمقراطية في الإسلام، بينما «السنة» يمثلون الأكثرية الديكتاتورية، وهي دعاية جوفاء لا يسندها علمٌ ولا حقائق ولا شواهد.

ورث هذه الرؤية حول «التشيع» الديمقراطي الفارسي والأكثرية السنية العربية «اليسار الليبرالي»، وشرعت في تنفيذ دعم الفرس وتشتيت العرب، وجرت أحداث الربيع العربي في 2011 وما تلاها، وسيطر تيار «استقرار الفوضى» سياسياً في العالم العربي بدعمٍ غربيٍ ذي إرثٍ يوناني مع دعمٍ فارسي تحدوه طموحاتٌ جديدةٌ.

يمكن للباحث المجدّ أن يتساءل: هل كان كل هذا عفو الخاطر وخطأ مطبعياً في سياق التاريخ أم أنه كان مخالفاً للسياق التاريخي؛ نظراً لغياب طرفٍ من المعادلة، فالتاريخ كما هو معلومٌ له طبيعةٌ لا يفارقها ومنطقٌ لا يحيد عنه، والصدف في التاريخ استثناءٌ يؤكد القاعدة ولا ينفيها، وأُلِّفَ عن دور الصدفة في التاريخ عدد من الأبحاث والمؤلفات.

عبّرت عن هذه الصراعات والجدالات في هذا العصر أعمالٌ دراميةٌ مهمةٌ، منها على سبيل المثال فيلم «300» الصادر في 2006، وتبعه فيلم «300 نهوض إمبراطورية» في 2014 في هوليوود، وعاصرت كل هذا دراما إيرانية مهمةٌ ومؤثرةٌ تتحدث عن بعض قضايا الواقع وتهاجم «العرب» و«السنة»، كما تتحدث عن إعادة تفسير الدين الإسلامي وقصص الأنبياء، ولكنها لا تتصدى للغرب ولا تهاجمه، وبقي «العرب» و«السنة» خارج كل معادلات الدراما الحالية التي تحكي عن كل تلك الصراعات التاريخية وعلائقها بالواقع وتأثيراتها فيه وعليه، على الرغم من أمرين: محاولات جادة ولكن قليلة التأثير، وغياب كبير عن الرؤى القادرة على إحراز الفرق وتحقيق التوازن.

وقعت الحروب اليونانية - الفارسية قبل خمسمائة عامٍ من ميلاد السيد المسيح، ويبدأ التاريخ الإسلامي بعد ميلاد المسيح بستمائة عامٍ تقريباً، ومضى على هذا 1446 سنةً للهجرة، و2024 سنةً للميلاد، بالإضافة لخمسمائة عامٍ قبل ذلك، ومع كل هذه الأهمية في الواقع المعيش واستمرار التأثير على طول الزمان، ما زال لدينا من يجادل في أهمية الأفكار والتاريخ، والثقافة والميثولوجيا، والأثر المباشر على الواقع والسياسة.

أخيراً، فتأمل التاريخ ينير الحاضر، والتمعن في اختلاف الثقافات وتباين الحضارات يوقد العقل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع الحضارات اليونان والفرس والعرب صراع الحضارات اليونان والفرس والعرب



GMT 17:00 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

يوم فلسطيني بامتياز..ماذا بعد

GMT 16:59 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

تَوَهان المشتغلين في الإعلام

GMT 16:58 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

هل تغير الزمن فعلا ؟!

GMT 15:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الاعتراف بفلسطينَ اعتراف بإسرائيل

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام

GMT 15:27 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

تحقيقٌ صحافي عن عبد العزيز ومن عبد العزيز

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية

GMT 15:15 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

حكاية الطبيب والأميرة ديانا!

الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - المغرب اليوم
المغرب اليوم - أنواع النباتات المثمرة المناسبة في بلكونة المنزل

GMT 07:42 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرسيدس تطلق سيارة رياضية بمواصفات فائقة

GMT 15:45 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

المصري محمد صفوت يودع بطولة لوس كابوس للتنس

GMT 23:22 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

طرق بسيطة لاختيار ساعات عصرية تناسب الرجال

GMT 04:08 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 01:12 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

"نيس" الفرنسي يظهر اهتمامه بضم المغربي أمين باسي

GMT 13:19 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

لاس بالماس الإسبانية المدينة المثالية لقضاء أحلى شهر عسل

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 00:43 2016 الجمعة ,23 أيلول / سبتمبر

شاطئ "الكزيرة" في المغرب جوهرة شمال غرب إفريقيا

GMT 00:02 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو السنباطي يعلن عن رؤيته لمستقبل نادي هليوبوليس

GMT 07:58 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم ماهيكا مانو في طوكيو لمحبي الأماكن الرائعة والمختلفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib