ترمب وزيلينسكي صدام علني

ترمب وزيلينسكي... صدام علني

المغرب اليوم -

ترمب وزيلينسكي صدام علني

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الجدل العلني القوي والقاسي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام كاميرات الإعلام كان حدثاً استثنائياً نقل ما يدور في الغرف المغلقة من النقاشات السياسية إلى العلن، وهو على رغم استثنائيته يكشف للعالم كيف تدار المفاوضات السياسية، وكيف تكون نتائج الصراعات في الرؤى الكبرى.

تقوم الجدالات الثقافية عبر التاريخ على ما يتيحه الجو العام للحظة التاريخية اجتماعياً وعلمياً وسياسياً ضمن عوامل متعددة تتدافع فيما بينها لخلق الفرصة لتخلق جديدٍ للتاريخ، فتدفعه باتجاه التطور حيناً وباتجاه الارتكاس أحياناً، ومن السَّهل رصد أنه حين تنحدر أمةٌ تصعد أمةٌ أخرى على أنقاضها طوال التاريخ.

ثمة طرفان لصراع الديكة هذا، هما ترمب وزيلينسكي، ترمب الذي لا بد له أن يكتشف يوماً ما أن لعبة السياسة أخطر وأكثر تعقيداً من استعراض القوة بفجاجةٍ، وأن يكتشف أن السياسة ليست تجارةً ولا اقتصاداً فحسب، وأن الهويات الراسخة لا يمكن معالجتها بالاستثمار والتجارة والاقتصاد.

زيلينسكي ممثل كوميدي أوكراني، ومنتج، متحالف مع التوجه اليساري الليبرالي، وهو التوجه الذي يسيطر على الإنتاج الإعلامي في كل العالم، وهذا اليسار ينجح لأنه يوهم الجماهير باستقلاله عن الحكومات، وبتغذيته للمشاعر الإنسانية العميقة في الشك فيها، وزيلينسكي رفعه اليسار الليبرالي الأميركي وجعله رأس حربة في إفساد السلام العالمي، وضرب كل منتجات العولمة وتهديد العالم في سبيل إخضاع روسيا، وإن أدى ذلك لحرب عالمية ثالثة كما حذر ويحذر الرئيس ترمب.

أميركا أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، ولكن تخبطها السياسي بين متطرفي اليسار الليبرالي واليمين الترمبي يجعلها تفقد الحلفاء أسرع مما تصنع الأصدقاء، فضلاً عن مواجهة الأعداء، وهذه إحدى الطرق التي تضعف الإمبراطوريات عبر التاريخ.

زيلينسكي تحدث بمنطق الآيديولوجيا اليسارية الليبرالية، وترمب تحدث بمنطق اليمين السياسي بلغة التجارة والواقعية القاسية وكلاهما مخطئ، ولكن ترمب قوي جافٌّ وزيلينسكي ضعيف يحاول الظهور بمظهر القوي.

علاقات دول الخليج العربي مع أميركا ممتدة لعقود من الزمن وعلى رأسها السعودية، وكانت المواقف الأميركية متقاربة في طبيعة العلاقات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أو اليسار واليمين، مع هذه الدول، وإن حصلت لحظات شدٍّ وجذبٍ في المواقف كما هي طبيعة السياسة.

تاريخياً، أنهى الحزب الديمقراطي الحرب العالمية الثانية منتصراً، وتواصل روزفلت مع الملك عبد العزيز وخلفه ترومان الذي ضرب اليابان بالقنبلتين النوويتين، ثم جاء الجمهوري أيزنهاور الذي أعلن مبدأه في الحرب الباردة، الإيمان في مواجهة الإلحاد، وكان هذا هو توجه دول الخليج ومصلحتها في مواجهة الشيوعية، تلا ذلك سنوات من حكم الديمقراطيين عبر جي إف كيندي وخلفه ليندون جونسون، ثم جاء الجمهوري نيكسون وخلفه فورد وسعى لإنهاء الخلافات السياسية في منطقة الشرق الأوسط بعنجهية تشبه عنجهية ترمب اليوم، فقامت حرب 73 وقطع النفط واحتدم الموقف، ثم عاد الديمقراطيون مع كارتر وصنعوا السلام عبر معاهدة كامب ديفيد، ثم عاد الجمهوريون مع ريغان وواجه التحدي الإيراني وبطأ من عنفوانه بقيادة الخميني، وواجه الاتحاد السوفياتي في أفغانستان بتحالف قويٍ مع دول الخليج، وخلفه جورج بوش الأب الذي دخل في حلف عسكري مع السعودية ودول الخليج لإخراج صدام حسين من الكويت، وبعده كلينتون الديمقراطي الذي واصل صنع السلام، وخلفه جورج بوش الابن الذي واجه الإرهاب بالتحالف مع دول الخليج، وخلفه الديمقراطي باراك أوباما الذي سعى لإسقاط الدول العربية بالتحالف مع جماعة الإخوان واليسار الليبرالي، وحدث الربيع العربي المشؤوم، وتم الاتفاق النووي مع إيران الذي منحها توسعاً ونفوذاً غير مبرر في المنطقة.

جاء ترمب في ولايته الأولى فأصلح شيئاً مما أفسده اليسار الليبرالي المتطرف، واتصفت سياسته بالقوة حيث كانت أميركا تفتش عن رئيس قويٍ يعيد لها شيئاً من هيبتها، وجاء بايدن ليعيد الأوبامية مجدداً، ثم رجع ترمب للبيت الأبيض بطلاً في نظر الشعب الأميركي، وهو يريد فرض تغييرات كبرى لا يمكن التراجع عنها بعده حول العالم.

المشهد كان قاسياً على الرئيس الأوكراني، والاتفاق الذي يريده ترمب حول المعادن لن يكون عادلاً لمستقبل أوكرانيا، والتجارة الفجة ليست سياسةً والسعي لإحراج الضيوف في البيت الأبيض ليس سياسةً حكيمةً، وعلى العالم أن يحسن التعامل مع أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ في السنوات القادمة.

أخيراً، فمعادن أوكرانيا وريفيرا غزة هي أحلام تاجرٍ أكثر منها قرارات سياسي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب وزيلينسكي صدام علني ترمب وزيلينسكي صدام علني



GMT 17:44 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

الشهادة القاطعة

GMT 17:43 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

GMT 17:41 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

لا تطمئنوا كثيرًا..!

GMT 17:36 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا؟

GMT 17:34 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إعادة قراءة لتواريخ بعيون فاحصة

GMT 17:32 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إيران دون عقوبات: تمكين الحلفاء بديل النووي

GMT 17:30 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

هل عاد زمن العطارين؟

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:41 2023 السبت ,22 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.5 درجة في اليونان

GMT 07:39 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغجر يحبُّون أيضًا" رواية جديدة لـ"الأعرج"

GMT 15:40 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيفية اختيار لون المناكير المناسب

GMT 23:58 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

ساني يهزم نيمار في سباق رجل جولة دوري أبطال أوروبا

GMT 19:43 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

البدواوي يكشف أن "حتا" شهدت إقبالاً كبيراً من السياح

GMT 14:00 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "إشبيلية" يرغب في التعاقد مع ماركوس يورينتي

GMT 00:51 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

التلفزيون الملون لم يدخل بيوت الآلاف في بريطانيا

GMT 00:29 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

صفية العمري تؤكّد أنها تبحث عن الأعمال الفنية الجيدة فقط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib